صانع الحلويات والمحبة: العمل هو جوهر الحياة

كتابة :
نسرين علاء الدين

يستعيد ياسر العاص ابتسامته تدريجياً مع تسرب النسمات الباردة لصباحات شهر أيلول. تتفتق شفتاه عن نصف ابتسامة وكأنه ظفر بفوز لذيذ. “البرد بيحب الحلو” يقول. يحافظ ياسر على هذا الشعار، فمع قدوم فصل الشتاء يدفع الناس البرد عنهم بشراء الهريسة والعوامة، وهي من الحلويات السورية الشهيرة والأكثر شعبية.


بدايات ياسر في صناعة الحلويات

 

بدأ ياسر (38 عاماً) بصناعة الحلويات قبل ثلاث سنوات، كمساعد في أحد المحال ببلدة جديدة عرطوز الفضل. يقول: “بعد نزوحي مع زوجتي وأبنائي الخمسة عام 2013 من مخيم اليرموك جنوب دمشق، والذي كان يشهد أعمالاً عسكرية عنيفة، عشنا حالة من الضياع بعد خسارة بيتنا ومحل البقالة الذي كنا نملكه، ومن ثم استقرينا في هذه البلدة”. وجديدة عرطوز الفضل هي بلدة تقع بريف العاصمة السورية دمشق الغربي، وتضم تجمعاً من أبناء بلدة القنيطرة جنوب سوريا والذين نزحوا منذ العام 1967، إضافة لمئات العائلات النازحة من المناطق الساخنة سواء في ريف دمشق أو في مختلف أرجاء البلاد.

إثر نزوحه، جرب ياسر عدداً من المهن كبيع الخضروات وأعمال البناء، لكنها لم تناسب وضعه الصحي، مع معاناته شللاً في الأطراف السفلية يمنعه من القيام بالأمور الشاقة رغم قدرته البسيطة على الحركة، ورغم حصوله على بطاقة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تعرّف بإعاقته وتتيح له البحث عن فرص عمل مناسبة، لكنه بقي بانتظار تلك الفرص فترة طويلة دون جدوى.

عندها، كان الحل الأكثر ملاءمة هو العمل في محل الحلويات. “مهما كان الدخل بسيطاً فهو أفضل من أن أضيع وقتي دون عمل”، يقول ياسر مضيفاً بأن زوجته تحصل كذلك على دخل من عملها في رعاية أبناء المعلمات أثناء فترات الدوام الرسمي، مما يساهم بتأمين مصدر دخل ثانٍ يعين العائلة على تحمل نفقات المعيشة التي تتزايد بشكل تدريجي كل عام.

يرصف ياسر صحون الحلويات برفق. يدخل أحد الأطفال المحل ويناول ياسر عملة نقدية من فئة الخمس وعشرين ليرة، فيعرض عليه الرجل أطباق الهريسة أو عش البلبل أو البقج لينتقي منها، وليقع اختيار الطفل على قطعة من عش البلبل المحشية بالفستق.

 

للجميع نصيب من حلوياتي

 

“لا أرد أي شخص خائباً مهما كان المبلغ الذي يحمله قليلاً، فمن حق الجميع تذوق الحلويات”، يقول ياسر مبتسماً ويضيف: “نحتال على ارتفاع الأسعار فنستبدل السمن العربي غالي الثمن بالمنكهات، والفستق الحلبي بالفول السوداني، فالمهم أن تضحك القلوب”.

يعتبر ياسر بأنه تمكّن بقوة إرادته من كسر حاجز الإعاقة وتأمين حياة كريمة له ولأسرته، من خلال مهنة يحبها فعلاً، فتراه يغزل حلوياته برشاقة، ويحمل صواني الحلويات بخفة عالية ليضعها في الفرن فتخرج بحلة جميلة لا تكاد تفرقها عن تلك التي تعد في أرقى المطابخ، فهي مصنوعة بمحبة وعناية شكلاً ومضموناً.

بابتسامة لا تفارق وجهه يرحب ياسر بكل الزبائن، مع ترديده لعبارة باتت مقترنة به على الدوام: “للجميع نصيب من حلوياتي، حتى الذي لا يملك مالاً، له قطعة من عيوني”.

“للجميع نصيب من حلوياتي، حتى الذي لا

يملك مالاً، له قطعة من عيوني”.

ياسر العاص