إلى تنقية حقيقية وليس صناعة “تابو” جديد

كتابة :
فراس القاضي

كثيرة هي المفاهيم التي أكلت نفسها، إما بسبب قِدم ما تطرحه وعدم ملاءمته للمراحل اللاحقة لولادة المفهوم وإصرارها على عدم تطوير بنيتها وآلياتها، أو بسبب بعض معتنقيها الذين بالغوا وتطرّفوا وأضافوا إلى المفهوم ما ليس فيه، فتسببوا بنفور وابتعاد كثير من الناس عنها، ليس من باب معارضة المفهوم الأساسي، بل بسبب طريقة تعرفهم الخاطئة عليه من قبل من تطرّف، حتى غدت هذه المفاهيم بحاجة لإعادة تعريف مرة جديدة عبر تنقية المفهوم مما لحق به وما نُسب إليه وحَرَفه عن مبتغاه الأصلي، وإعادة تصديره بشكله وغايته الحقيقية.

وبما أن مفهوم تنقية الخطاب الصحفي، أو الخطاب بشكل عام من الكراهية، ما يزال في بداياته، على الأقل في سورية، وبما أنه مفهوم مغرٍ، وخاصة للناشطين في المجال الإنساني، فإن نقله إلى العاملين في حقل الكتابة أو الإعلام صار مرهوناً بهم، وبخبرتهم وتوازنهم في نقله، وهذا الأمر يحمل في طياته خطراً في المرحلة الحالية تحديداً، خطرٌ على القائمين الأساسيين على المفهوم ملاحقته والانتباه إليه.

 

لماذا قلنا في المرحلة الحالية؟ لماذا حددناها؟

 

دعونا نبتعد قليلاً عن المفهوم لنعود إليه بعد خلاصة صغيرة، اليوم صارت مواقع التواصل جزءاً أساسياً من حياتنا، وصارت كل المواضيع المعيشية والسياسية والاجتماعية والفنية تُناقش فيها ويُتجادل عليها على صفحاتها ليل نهار، وقد أعطتنا هذه المواقع فكرة أكثر من جيدة عن طريقة النقاش، وعن الانقسامات التي تحصل عند كل “تريند” جديد، انقسامات تصل إلى الشتائم والتخوين وتشكل الضغائن، وتنتهي كثيراً بحذف الأصدقاء لبعضهم البعض.

بالعودة إلى مفهوم تنقية الخطاب من الكراهية، والذي سيكون لمواقع التواصل حصة كبيرة منه.

أمام اختلاط المفاهيم الذي نراه، وتبنّي كل فريق لوجهة نظره بشراسة، علينا – كمشاركين – في مفهوم تنقية الخطاب من الكراهية، أن نعي جيداً أن مهاجمة المفاهيم الرديئة، والبُنى السياسية العميلة، والفن الهابط، والتربية على مفاهيم خاطئة ومؤذية، ليست خطاب كراهية أبداً، بل محاولة تقويم ضرورية، حتى لو كانت بلا نتيجة ومن باب القيام بما يجب القيام به، أي أن تنقية الخطاب من الكراهية هنا، تكون بتصويب طريقة النقاش، وليس بنيته وسببه، إذ علينا ألا نسمح بتحوّل المفهوم إلى “تابو” لا يستطيع أحد مناقشته أو الاعتراض على ممارسات متبنّيه ومعتنقيه.

أستطيع التأكيد بأننا أمام مهمة كبيرة وحساسة جداً، وأرى أن اجتناب الخطأ فيها ليس مستحيلاً، بل يحتاج إلى جهد انتقائي أكبر، وذلك من خلال مراجعة السيرة العامة لمن يتم تدريبهم وتحميلهم هذه الأمانة، وهذا ليس عسيراً، بل سهلاً بعدما صار بإمكانك التعرف على أدق تفاصيل حياة وتفكير وانتماءات ومشارب الناس عبر ما يكتبونه على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل، أو في مدوناتهم الخاصة، وعلى القائمين على ترويج المفهوم وتدريب المنتسبين والمتطوعين في المساعدة على ترويجه، ألا يتوانوا عن تصحيح المفهوم عند من انحرف لديهم، بل وحتى استبعادهم إن لم يستجيبوا، لأنه في حال حدوث ذلك، فإن خطر انقلاب الجمهور على هذا المفهوم تحديداً، أكبر بكثير من الانقلاب على كل المفاهيم الأخرى، لأننا هنا نتحدث عن الكراهية، عن مفهوم بُنيت عليه كل شرور الحياة وكل ممارسات الانحراف والإجرام التي حدثت في التاريخ.

أن اجتناب الخطأ فيها ليس مستحيلاً،

بل يحتاج إلى جهد انتقائي أكبر

فراس القاضي