القانون منح الحق ..فهل يكفي ؟

كتابة :
مياس سلمان

الوظائف الحكومية..

 

القانون منح الحق ..فهل يكفي ؟

يزداد إحساس الإنسان بقيمة وجوده وأهميته مع ازدياد قدرته على الإنتاج والعمل، الذي يمثل حق وضرورة ملحة للحياة، وفي ظل الظروف التي تعيشها سوريا اليوم، إن محاولة إيجاد عمل لشخص سليم جسدياً أمر صعب جداً، فكيف سيكون الأمر مع الأشخاص من ذوي الإعاقة الذين يعانون من مشاكل صحية واجتماعية مختلفة.

 

العمل الملائم

 

لم يغفل القانون السوري حق الأشخاص من ذوي الإعاقة في العمل، وقد تضمنه القانون الأساسي للعاملين في الدولة وتعديلاته، فبموجب  القرار /15/الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء العام 2017، والذي أكد على تعيين الأشخاص ذوي الإعاقة في الوظائف العامة بنسبة لا تزيد عن 4% من الملاك العددي للجهة العامة دون مسابقة أو اختبار.

لا يتطلب العمل الإداري جهداً جسدياً كبيرا، لهذا يقبل على  هذا النوع من العمل شريحة واسعة من ذوي/ات الإعاقة ؛خاصة من المؤهلين /ات علمياً، أو ممن يمتلكن /ون المهارات والخبرات والتمكين اللازم، حيث تعتبر وظيفة القطاع العام الأكثر ملاءمة كونها تمنحهم  النسبة الأكبر من فرص العمل .

 

القانون يضمن ..ولكن !

 

يضمن القانون حق ذوي الإعاقة في العمل بالوظائف الحكومية العامة، ولكن لم ينأى به عن مشكلات تواجه التطبيق، ولعل نسبة ال4% المحددة أول هذه المشاكل كونها تشكل نسبة صغيرة من حجم وجودها في الواقع خاصة بعد ارتفاعها بشكل كبير بعد الحرب السورية.

تأتي بعد ذلك مشكلة الحصول على وظيفة، والتي تكبر وتصبح أمراً غير متاح، وربما شبه مستحيل مع زيادة الطلب والرغبة في التقدم للحصول على فرصة عمل في القطاع العام ,تتفاقم المشكلة مع ضعف أو ندرة تشغيل هذه الشريحة في القطاع الخاص الأمر الذي يحتاج ربما لسنوات من الانتظار في ظل واقع اقتصادي صعب ينعكس سوءاً على فئة ذوي الإعاقة مع غلاء أسعار الأدوية وبقية المستلزمات والاحتياجات اللازمة لهم.

من جانب آخر تأتي معاناة التنقل في معظم الدوائر الحكومية الغير مؤهلة لتناسب حركة وتنقل ذوي الإعاقات الحركية، فأغلب الأبنية قديمة، أو ذات طوابق عالية تستلزم صعود أدراج كونها غير مزودة بمصاعد كهربائية تساعد على الوصول لمكان العمل بسهولة وسلاسة، أذكر جيداً : صديقي الذي يعاني من إعاقة حركية، ويستخدم كرسي متحرك ؛كيف رفض رفضاً قاطعاً التقدم لوظيفة حكومية مناسبة لاختصاصه العلمي فقط لأنه يعلم أن بناء مكان العمل طابقي وغير مزود بمصعد كهربائي، ويستحيل عليه صعود الدرج، هذا مثال بسيط ربما يتكرر مع الكثيرين/ات أو يحدث ماهو أصعب وأكثر تعقيداً.

 

بين الدهشة والقبول

 

يضاف إلى ماسبق من مشكلات، معاناة أخرى تتجلى بحالة من عدم التقبل والاستغراب من قبل المجتمع بشكل عام، ربما تصل أحيانا للمحيط القريب من حالات ذوي الإعاقة هذه المعاناة التي تتفاقم مع عدم انتشار ثقافة دمج ذوي الإعاقة في المجتمع وسوق العمل وقلة التوعية بالقدرات والإمكانيات والخبرات التي يتمتعن/ون بها، وهذا حصل معي بتجربة شخصية  فأنا من ذوي الإعاقة وأعمل في وظيفة عامة، يتركز عملي على استخدام الحاسب ومتابعة المراجعين/ات. في أحد الأيام وبينما كنت منهمكاً في عملي دخل أحد المراجعين ونظر لي نظرة استغراب وقائلاً:

 أين الموظف المسؤول المختص!؟، وعندما أجبته : أنا.

لم يخلُ وجهه من علامات الدهشة المقرونة بعدم الاقتناع بقدرتي على الاستجابة لطلبه، ولكن بعد أن حصل على الخدمة بسرعة ودقة، تغير رأيه تماماً فتوجه لي بكلمات يمتزج فيها الشكر بالاحترام.

برغم المشكلات والتحديات التي يعيشها ذوو الإعاقة لا ننكر الجانب الإيجابي للقانون الذي منح فرص عمل لشريحة لا بأس بها منهم/ن, وتقديم الدعم اللازم للاندماج في المجتمع والمشاركة في تأدية الخدمات العامة له والقيام بالعمل المطلوب على الوجه الأمثل آملين تحقيق ذواتهم/ن وإثبات جدارتهم /ن في العمل والحياة.

نأمل في المستقبل القريب أن يتم تعديل القانون الخاص بتشغيل ذوي الإعاقة بحيث يضم شريحة أكبر من الأشخاص القادرين على العمل دون تحديد نسبة الموظفين/ات في الدوائر الحكومية بنسبة 4%، وأن يتم تأهيل الأبنية في الجهات العامة لتصبح أكثرملائمة لهم/هن  كموظفين/ات أو كمراجعين/ات، وفتح مجال أوسع للمشاركة في سوق العمل ضمن الإمكانيات والمهارات التي يمتلكوها مع النظر إلى إعاقتهم/ن على أنه اختلاف طبيعي لا أكثر.

برغم التحديات التي يعيشها ذوو/ات الإعاقة لا ننكر الجانب الإيجابي

للقانون الذي منح فرص عمل لشريحة لا بأس بها منهم

 

مياس سلمان