هل منع الإسلام دخول النساء للمساجد أثناء الكوارث بسبب الحيض؟

كتابة :
محمد العمر

لم يخطر على بالِ كثيرات من النساء السوريات، أن يجدن أنفسهن ممنوعاتٍ من دخول المساجد بوصفها “بيوت الله”، بعد وقوع كارثة الزلزال للجوء إليها بعد انهيار بيوتهن.

 تلك اللحظة، لم يكن الوقت متاحاً للبحث في أروقة كتب التفسير والفقه، للاستفتاء في مدى شرعية دخول المرأة “الحائض” للمسجد، إلا أن البعض كان جاهزاً لبثّ النزعة المتطرفة في إشاعة خطاب عدائي ضد النساء يصل لدرجة منعهنّ من دخول المساجد كملاجئ آمنة بعد وقوع الزلزال.

 

رؤية ذكورية

 

تُستمدّ الفتوى الشائعة والقادمة من كتب التراث الإسلامي، لا سيما من فتاوى أصحاب المذاهب الأربعة، شرعيتها من الآية القرآنية “يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا”. النساء 43.

لقد بنت تلك المذاهب فتواها بتحريم دخول النساء للمساجد أثناء فترة الحيض على هذه الآية، والتي تقول بوضوح “لا تقربوا الصلاة” ولم تقل لا تدخلوا المساجد، فيما راح بعض “المشايخ” يبرّرون سماحهم للنساء بالالتجاء إلى المساجد، بناءً على القاعدة الفقهية القائلة بأن “الضرورات تبيح المحظورات”، علماً أن الحظر المقصود نابع من آراء المفسّرين وليس من الآية القرآنية

يحيل هذا التفسير إلى رؤية ذكورية في الخطاب الديني تعادي النساء عبر خلق تفاسير واستنتاجات للنصوص الدينية تناسب السردية الذكورية المعادية للمرأة، ففي مسألة دخول الحائض إلى المسجد يستند كثيرون إلى حديث منسوب إلى النبي يقول “لا أحل المسجد لحائض أو لجنب”، لكنهم لا يقولون للناس أنه حديث ضعيف حتى أن البخاري قال بضعفه لأن في سنده التابعية “جسرة بنت دجاجة” التي ثبت أن روت أحاديث باطلة عن النبي، لكن اعتماد ذلك النص كان مناسباً لخطاب الكراهية المعادي للمرأة والذي ينتقص منها بسبب طبيعة فيزيولوجية في جسدها.

 

جذور خطاب الكراهية الديني ضد النساء

 

الأمر أبعد من ذلك، حيث نشر المفسّرون وأصحاب كتب التراث والقائلين بها أن الحيض عقاب إلهي للنساء، يعود لأكل حواء من الشجرة المحرّمة، في وقتٍ يقول فيه النص القرآني أن الخطيئة كانت مشتركة بين آدم وحواء ولم تكن حكراً عليها وحدها ولذلك كان العقاب بالهبوط إلى الأرض مشتركاً بين الاثنين فلم تكن وحدها في العقوبة، لكن أصحاب الفتاوى الذكورية لن يقولوا للناس أن فكرتهم لم تكن مستمدة من آية قرآنية أو حديث نبوي بل من قولٍ لابن عباس بأن الله سأل آدم عن سبب أكله من الشجرة المحرّمة فقال “أمرتني حواء فقال له إني أعقبتها ألّا تحمل إلا كرهاً وألّا تضع إلا كرهاً وأدميتها في الشهر مرتين”، وهو قولٌ يظهر مدى خطئه بفهم وتفسير النص القرآني على أنه يحمّل حواء مسؤولية الخطيئة وأن الله زاد لها عقوبة إضافية عن آدم تتمثّل بالحيض، في حين أن الآية القرآنية واضحة في تثنية الفعل حيث تقول “فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليها من ورق الجنة” طه: 122، أي أن الخطيئة كانت مشتركة بدون شكّ بين الطرفين وتحمّل كلاهما مسؤوليتها ولم يكن لحواء عقوبة إضافية على آدم.

 

كيف شوّه الذكور الخطاب السماوي لمعاداة النساء؟

 

عمل الخطاب الديني الذكوري -البشري وليس السماوي- عبر قرون على ترسيخ فكرة الانتقاص من المرأة، من خلال الترويج لنصوص وتفاسير وأحاديث ضعيفة وإخفاء الدلائل الحقيقية وتغييب الروايات التي تثبت ضعف النصوص التي استندت إليها تلك الأفكار القائلة بأن المرأة تصبح “نجسة” في فترة الحيض، مثل الفتوى القائلة بتحريم ملامسة الحائض للمصحف عملاً بآية “لا يمسّه إلا المطهّرون” رغم أن القصد فيها هو الملائكة، بدليل أنها نزلت في وقتٍ لم يكن فيه القرآن مكتوباً أو مطبوعاً لتتم ملامسته أصلاً، لكن تفسيرها بعد قرون من وفاة النبي جاء مناسباً لذكورية المفسّرين وعدائهم للنساء، الأمر الذي وصل إلى قيام إمام مسجد بمنع نساء من الدخول إلى “بيت الله” خوفاً من الزلزال، بناءً على أقوال رجال القرن الثالث الذين لم يلتفتوا إلى المساواة الإنسانية بين الجنسين التي أكّدها الدين الإسلامي وشدّد على العمل بها.

لم يجهد الإعلام ولا المناهج الدراسية ولا المؤسسات الرسمية أنفسهم، في مسألة التوعية ضد خطاب الكراهية الديني للنساء، ولم يدخلوا معركة المواجهة ضد التفسير العدائي للنساء لأي نصّ ديني لا يراعى في تفسيره المساواة في الحقوق والواجبات التي نصّ عليها القرآن مقابل الأخذ بآراء “بشر مثلنا” تم تقديس أقوالهم والعمل بها رغم معاداتها الواضحة للمرأة.

وقد تم ترسيخ النظرة الذكورية وخطاب الكراهية ضد النساء المبني على شواهد تبدو أنها دينية، ولكنها بالفعل بشرية من صنع رجال كتبوا آراءهم وفهمهم المستعلي على النساء في عصورهم التي انتهكت حقوق المرأة وأعلت من قيمة الرجل وعملت على ليِّ عنق النص القرآني بما يناسب توجهها للانتقاص من النساء إلى أبعد الحدود.


“تم ترسيخ خطاب الكراهية ضد النساء بناءً على

شواهد تبدو أنها دينية،ولكنها بالفعل بشرية “

محمد العمر