هذه تجربتي .. خذوني مثل وخذوا بيدي !

كتابة :
رهف سامي يوسف

هذه تجربتي .. خذوني مثل وخذوا  بيدي  !

 

كي نعيش علينا أن نعمل، ولكي نعمل علينا أن نكون مؤهلين/ات فكرياً وجسدياً بانتظار فرصة ما للحصول على عمل مناسب وبمردود جيد.

يتشكل مفهوم العمل لدينا منذ الطفولة، ويتطور مع السنوات بالتجارب والخبرات التي نخوضها .في تلك المرحلة لا يعي الطفل  معنى العمل  ولا قيمته، ولا يستطيع تحديد ميله بشكل واضح لنوع العمل الذي يرغب بممارسته في المستقبل، فكل مايراوده من أحلام وتصورات ناتج عن مخزون معرفي متأثر بالبيئة المحيطة والنماذج التي قابلها في حياته، معلم يدرّس ،طبيب يداوي ,فنان يرسم ..يعزف …إلخ، هذا افتراض ينطبق غالباً على معظم الأطفال وتجاربهم في الحياة.

 

لكن ماذا عن الأطفال من ذوي/ات الإعاقة ؟

 

يتركز تفكير الطفل/ة من ذوي/ات الإعاقة على :”كيف أتخلص من إعاقتي وأنطلق لأعيش الحياة مثل أترابي” ؟

عشت أنا هذا الحال، وشكل جزءاً مؤثراً من تجربة حياتي، فكانت رحلتي طويلة قبل أن  افكر وأختار العمل  المناسب لي، وقد ساعدتني عائلتي كثيراً  في وضع أسس وخطوات التأهيل التي احتجت لها، فكانت رحلة تحدي إعاقتي رحلة ليست سهلة، سأشرحها في سياق الموضوع .

 

مؤهلات العمل أولاً

 

من الذي يوفر لذوي/ات الإعاقة المؤهلات اللازمة للعمل، ومتى  يبدأ ذلك، وكيف..؟

يبدأ اختيار العمل وتأهيل ذوي/ات الإعاقة له في مرحلة الطفولة، حيث يبدأ تشكل الوعي لمفهوم العمل في سن دخول الروضة والمدرسة، وهنا تقع المسؤولية الأولى على الأهل في تربية و توجيه الطفل/ة وخلق الرغبة والحافز للتعلم والتدريب على العمل  المناسب له في المستقبل، إضافة للمشاركة في اكتشاف الميول أوالموهبة التي يمتلكها والسعي لتطويرها بالمهارات اللازمة، إن شرح أهمية العمل ليس فقط من ناحية العائد المادي وإنما كتجربة أساسية  للدمج والانخراط في المجتمع من أجل الخروج من دائرة وعزلة الإعاقة التي تفرضها بعض الأسر على أطفالها من ذوي/ات الإعاقة.

تبدأ الخطوة الأولى مع الأسرة، تليها المتابعة مع الجهات العامة والخاصة المتمثلة بالدوائر الحكومية والهيئات الدولية المعنية بقطاع التعليم أو الصحة وتقديم الدعم اللازم لذوي الإعاقة وأسرهم بكافة أشكاله، وهنا نشير إلى الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني التي قطعت أشواطاً طويلة في دمج وتأهيل ذوي/ات الإعاقة وتمكينهم من العمل، وهذه خطوة بحاجة لتعزيز واستدامة لا سيما وأن هذه المراكز والمؤسسات يعمل بها في الغالب أناس معنيون بموضوع الإعاقة بشكل مباشر أو غير مباشر .

 

شيء من قصتي

 

صماء أنا منذ ولادتي، أدخلني أهلي إلى الروضة ثم المدرسة، رسبت في عدة صفوف ولكن دعم عائلتي الدائم أمدني بعزيمة كبيرة  للتحدي والاستمرار. تابعت دراستي وتعلمت الرسم لسنوات في مركز للفنون التشكيلية،  ثم دخلت الجامعة ودرست الرسم والتصوير وتخرجت عام  2019 بدرجة جيد.

كنت أطمح أن أدرس تصميم الأزياء فهي المهنة التي أحببت أن أمارسها، لكن الفرصة  لم تتح لي عندما كنت أعيش في  حلب.

تابعت محاولاتي في التدريب ولظروف خاصة لم تكتمل التجربة، التحقت بعدها ومن خلال مؤسسات أممية بدورات عدة لتعلم الحاسوب في دمشق وطرطوس، أجدت بعدها التصميم على الحاسوب، وقد شكل ذلك متعة كبيرة لي لارتباطه بميولي للرسم، ولعل ذلك يفتح مجالات  وفرص عمل لي في المستقبل.

 

فرص العمل ثانياً

 

تنوع إعاقات الأفراد واختلاف درجتها من شخص لآخر من ذوي /ات الإعاقة يجعلنا نتوقف أولاًعند فرص العمل الممكنة لهم/ن، فهناك أعمال لايمكن للأشخاص الصم القيام بها كالغناء والموسيقى .. كما لا يمكن للكفيف/ة ممارسة التصوير … ، ليأتي بعدها فرص العمل المتاحة ومتطلباتها المكانية والبشرية، فالشخص على كرسي متحرك يلزمه الظروف المكانية المناسبة للتنقل والحركة، بالإضافة لحاجة بعض الأشخاص من ذوي /ات الإعاقة للتواصل بطريقة خاصة ( الصم) مثلاً، فهولاء الأشخاص في مواقع العمل يلزم أن يكونوا مهيأين للتواصل مع الغير، فهم عندما كانوا أطفالاً اعتادوا على مدرس أو مدرب يعتمد  أساليب وطرق خاصة للتواصل معهم، لذلك من الضروري أن توضع هذه الاعتبارات  نصب العين عند توفير فرص العمل لذوي /ات الإعاقة.

 

لا يكفي تخصيص نسبة محددة من ذووي /ات الإعاقة للتوظيف في المؤسسات الحكومية، ولا حتى التشجع عليه ودعمه إدارياً و قانونياً، ما لم تترافق هذه الإجراءات بخطوات عملية حقيقية، ابتداءً من التدريب الإداري انتقالاً إلى تأهيل البنى التحتية للمرافق العامة ومكاتب العمل ودورات المياه.

إن تعزيز ثقة أفراد المجتمع بشركائهم من ذوي/ات الإعاقة في العمل، وكف التعامل معهم/ن من باب الشفقة و نشر ثقافة الدمج في المجتمع  هو أمر بالغ الأهمية وضرورة ملحة  لدفع ذوي/ات الإعاقة للانخراط في  سوق العمل، وأيضاً خطوة هامة للارتقاء بالفكر المجتمعي ورفع سوية الاقتصاد الوطني  وبالتالي دفع عملية التنمية المستدامة في البلاد، خاصة في سورية التي زادت فيها نسبة الإعاقة بشكل واضح بعد أكثر من عشرسنوات من حرب قاسية.

الدعم النفسي والمعنوي أمر هام ولكن ليس كافياً يجب أن يقترن بدعم حقيقي مادي وعملي من خلال قروض أومنح  وتوجيه أنظارهم/ن نحو ريادة المشاريع الصغيرة كفرص عمل ناجعة، وهنا يأتي  دور الحكومة في تهيئة وتوفير فرص العمل ومتطلباتها ليكون رديفاً وداعماً لدور الأهل والمؤسسات الإنسانية الأهلية و الدولية.

 

بالعودة لقصتي

 

بعد أن بذلت جهداً كبيراً لامتلاك المؤهلات  اللازمة والمناسبة لما أخطط  له لعملي المستقبلي، و التي لم أتوقف عن السعي لتطويرها بشكل دائم، ماأزال انتظر فرصة عمل حكومية أو خاصة فأنا أحب التعبير والكتابة عن أفكاري، ولي مشاركات في عدة منصات الكترونية، وهذه المادة  واحدة من تجاربي، احتجت فيها لمساعدة  في مكان ما، ولكني أعتقد أن الجميع يحتاج الدعم والمساندة فالحياة لا تستقيم بدون مشاركة الآخرين، لذلك لا تتردد/ي في طلب المساعدة ولا في استغلال الفرص، لقد دعمني أهلي دون كلل ووجدوا من ساعدهم في كل مكان، كما صادفوا من خذلهم في أماكن أخرى، لكنهم تابعوا معي رحلة التحدي، فزرعوا في نفسي العزيمة والإصرار رغم بحرالصعوبات .

“كانت رحلة تحدي إعاقتي

رحلة ليست سهلة”

رهف يوسف