نساء عشن وجع الحيض والزلزال مرتين: لسنا نجسات!

كتابة :
رحاب الإبراهيم

لم تسطع السيدة الثلاثينية ميادة “أم لأربعة أولاد” إخفاء دموعها، عند تذكر المعاملة الفجة لزوجها الطبيب، عقب نزول دورتها الشهرية بغير وقتها لحظة وقوع الزلزال فجراً، فتقول بغصة: “لم أكن أتوقع هذه المعاملة مع أنه يعرف أني أعاني من تغيرات نفسية خلال فترة الحيض، فكيف بمثل هذه الكارثة، التي شعرت خلالها أنه يكرهني وغير قادر على تحمل ردود أفعالي، لدرجة أرسلني إلى القرية في محافظة أخرى”

خطاب الكراهية، الذي واجهته ميادة من أقرب المقربين منها، عانت منه فتيات ونساء بصورة أقسى عند قصد مراكز الإيواء وتحديداً في الأماكن الدينية، بعد رفض جوامع محدودة استقبال السيدات الحائضات، تحت تأثير تعاليم دينية وتقاليد متوارثة، تعد المرأة في فترة الحيض شخصاً غير “طاهر”، ويتعدى ذلك أحياناً إلى وصفها بـ”النجسة”، وليس مجرد عيب  تخجل النساء وحتى الرجال الحديث عنها صراحة دون التعرض لانتقاد أو تنمر أو زجر، خوفاً من نظرة المجتمع وأحكامه القاسية، كما حصل مع الشابة حسناء ذات الـ27 عاماً فتقول باستحياء: “وجدت نفسي في أحد الجوامع مع مئات العائلات، التي خرجت من هول الزلزال مثلي بدون وعي وبثياب النوم، لكن الصدمة حينما شعرت بنزول الدورة فجأة، ولا أملك المال لشراء المحارم النسائية، ولم استطع تدارك ذلك فوراً وعانيت من حالة نفسية سيئة، لحين  تمكنت والدتي من تأمين محارم نسائية بسرية تامة وكأن الأمر فضيحة”.

 

غير إنساني

 

يبرز خطاب الكراهية في أبشع صوره، عند فرز السيدات والفتيات الحائضات، عن بقية المواطنين/ات المتضررين/ات، في بعض جوامع المناطق العشوائية بحلب، ومنعهن من دخول الجوامع وإجبارهن على الجلوس في المدخل أو الحمامات، حسب الناشطة المدنية مريانا الحنش، التي شاهدت كيف منعت النساء من الاحتماء بالجامع، بعد السؤال إذا كن في فترة الدورة الشهرية أو النفاس، لكن للأسف تم تجاهل حالات النساء الصحية والنفسية السيئة في موقف غير إنساني، مع أن الإسلام دين يسر، ويحض على مراعاة أحوال المتضررين في الكوارث الطبيعية، مشيرة إلى ضرورة تغير هذه المفاهيم الخاطئة، التي تكرس النظرة الدونية للمرأة، وهذا يتطلب تعاون جميع الجهات معاً.

واعتبرت الناشطة حنش أنه، بعد هذه الحادثة حركت الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية هذه القضية، وعولجت بداية بإضافة المحارم النسائية كاحتياج أساسي مع المسكنات اللازمة ضمن سلل الإغاثة، مع طرح خطاب الكراهية الموجه ضد النساء الحائضات ضمن نشاطاتها ولو بشكل محدود، بغية نشر التوعية والثقافة المجتمعية الصحيحة، فبرأيها لو كانت هناك حالة واحدة فقط يجب الاضاءة عليها، لإحداث التغير المطلوب، معتبرة أن خطاب الكراهية ضد النساء الحائضات لا يختلف بخطورته عن الاغتصاب والتحرش، وغيره من قضايا تعد فيه المرأة الحلقة الأضعف أو ينظر إليها كعورة أو نجاسة.

 

تصرف فردي!

 

مفتي حلب الشيخ الدكتور محمود عكام  يتحدث لمَوج عن هذه القضية قائلاًك: ىأنه في حال منعت النساء الحائضات من دخول جامع ما خلال ساعات الزلزال الأولى، يعد ذلك تصرف فردي مرفوض بالمطلق، فالجوامع استقبلت كل المواطنين المتضررين دون أي تميز بين رجل وامرأة، إذ لا يعقل بمثل هذه الكارثة التوقف عند بعض الأحكام المتبعة في الحالات الطبيعية، فالضروريات تبيح المحظورات، في الكوارث والأزمات تعطل وتبطل أي فتوى بهذا الخصوص، من مبدأ إنساني أولاً وليس ديني فقط.

 

حقل ألغام …؟!

 

ويبدو الحديث عن الدورة الشهرية في حلب  أشبه بحقل ألغام، شأنها شأن الكثير من المدن السورية، حيث يعتبر ذلك من المحرمات الاجتماعية، فهذا كان مجرد التلفظ بالدورة الشهرية علانية يعد خرقاً اجتماعياً، فكيف بقبول الحديث ع ما تعرضت لهن الفتيات والسيدات من مواقف وسلوكيات تظهر خطاب الكراهية في فترة الزلزال وحتى الآن، وهو ما بدا واضحاً عند اعداد هذا التقرير،  حيث رفض كثر مجرد فتح هذا الموضوع كونه يخدش حياء المجتمع الحلبي، بما في ذلك نساء مثقفات يعملن في مجال الأعلام والخدمة الاجتماعية، لدرجة نصحتني أحد الزميلات بالابتعاد عن الكتابة بمثل هذه القضايا لاعتبارات عديدة، فيما اعتبرته خطاب كراهية وجه لي شخصياً لمجرد الكتابة عن قضية تعتبر “تابو” في مجتمع محافظ.


“الدورة الشهرية قضية تعتبر

“تابو” في مجتمع محافظ “

رحاب الإبراهيم