من كواليس حياة الصحفيات والمحاميات: “قصصٌ تُحكَى للمقرَّبين حصراً”

كتابة :
لبنى شاكر

يبدو أنّ ثلاثة عشر عاماً من العمل في الصحافة لم تكن كافية لتعرف ريما (34 عاماً)، كيف يُفترض بها أن ترد على قصيدةٍ من النوع المُبتذَل وصلتها عبر تطبيق «ماسنجر» من زميلٍ تتواصل معه عادةً لإعداد تقارير روتينية عن إحدى الوزارات. وقبل أن تُسعفها بديهتها بفكرة التقاط صورةٍ لشاشة الموبايل «screen shot»، تُوثق اسم المُرسل وتاريخ الإرسال مع المُحتوى، سبقها «الزميل» بحذف الجزء الخاص به من المُحادَثَة، وإلحاقه فوراً باعتذارٍ يُرافقه «إيموجي» غامز!

يتكرر مثل هذا الموقف مع كثيرٍ من العامِلات في مهنتي الصحافة والمُحاماة، وإن بتفاصيل مختلفة. تُفضل كثيرات معالجة ما يتعرضن له بالصّمت والتكتم، وتقرر أخريات التحدث لكن بعد إخفاء أسمائهن الحقيقية واستخدام أخرى مستعارة، خوفَ تحول ما حدث إلى «سيرة» متداولة في أوساط الزملاء والزميلات، فما يُشاع عن الجرأة في مُلاحقة المعلومات والمُجرمين لا يعدو كونه نُكتة ستفقد ميزتها في الإضحاك بلا مُقدمات، خاصة عندما تكون المرأة صحفيةً أو مُحاميةً فتجد نفسها موضع اتهامٍ يلقى تأييداً ضمنياً من «المجتمع»، إذ يتعلق الأمر بنساء يمارسن أعمالاً تفترض الأعراف أنها «تناسب الرجال ولا تُناسبهن».

 

تمييز جنسي

 

التداخل بين العديد من التصرفات العدائية تجاه المرأة، من التحرّش إلى الكراهية والغيرة والاستهانة، يجعل الحُكُم على كثيرٍ من السلوكات المُؤذية في ميدان العمل صعباً، وربما مَشوباً بشيءٍ من الحيرة، ولا يسهل توصيفه أو فهم دوافعه، لكنها في معظم الحالات تصرفات قائمة على تمييزٍ جنسي، كحالة علا المُحامية (39 عاماً)، التي تلقت عرضاً للزواج سراً من أحد القضاة مُقابل إصداره حُكماً لصالح مُوكِّلها في إحدى القضايا الجزائية.

تقول عُلا إنّ «شعوراً بتعرضها للاعتداء يُرافقها دائماً، لكن الأكثر إيلاماً بالنسبة لها هو استهزاؤه بها، سواء بصفتها أنثى، أو محامية، فهو مطمئن إلى أنها لن تقوى على مُواجهته في الحالتين».

نفورٌ قد يصل حدّ كراهية الصحافيات والمُحاميات الناجِحات كان وراء كثيرٍ من اتهاماتٍ وُجِّهت إلى العديد منهن، في مقدمتها تورطهن في «علاقاتٍ جنسية غير شرعية». هكذا تستخدم إحداهن علناً عبارة «عاهرة عند فلان» في وصفها زميلةً أصبحت عضواً في هيئة تحرير مجلة، وغير بعيدٍ عنها يتحدث آخر عن قصة حبٍّ عاشها مع زميلته، زاعماً أنه كَتَبَ خلال العلاقة مجموعة مقالاتٍ صحفية مُذيلةً باسمها، وحين تخلّت عنه أراد «استرداد حقه» بفضح ما جرى بينهما، كأنّ الإدانة هنا تستهدفها وتستثنيه!

 

فتاةً مُحجبة لا مكان لها في صفحات السياسة

 

في قصةٍ أخرى وبدل أن تكون الملفات المسروقة سبباً كافياً لإبعاد إحداهنّ عن ممارسة المُحاماة، يحلو للبعض القول إن: «الإبعاد شَكلي إلى حين تحضيرها لمنصبٍ بعد تقديمها تنازلاتٍ بالجُملة». على هذا المنوال أيضاً يحلف محامٍ شاب بِترابِ أمه وأبيه أنّ زميلته عرضت رشوةً على أحد العاملين في المحكمة، قبل أن تفوز عليه في قضيةٍ خطيرة، مُطلقاً شائعاتٍ عن «أساليب مُلتوية» تتبعها عادةً في العمل.

التضييق لدرجةٍ قد تصل حد التشهير بالنساء في هاتين المهنتين، يتخذ أشكالاً وصفاتٍ لا تنتهي، ما يجعل بعض المحاميات يقبلن فقط القضايا البعيدة عن عوالم المخدرات والفساد والقتل وتهريب السلاح، خشية أن يجدن أنفسهن بحاجةٍ إلى من يُدافع عنهن، فيما تبتعد بعض الصحفيات أيضاً عمّا يُسمى صحافة الاستقصاء، وما يستدعي بحثاً من النوع غير العادي. تقول سارة ( 40 عاماً): «صحيح أن البلاد مليئة بالموضوعات التي يُمكن التقصّي فيها، لكنها في المقابل تفتقر إلى أي قوانين تضمن حماية الصحفي، فكيف إذا كنت صحفية؟، فتاة أو سيدة في مجتمعٍ يسهل فيه توجيه الاتهامات للنساء أينما اتجهن!»، وهذا في حد ذاته كفيلٌ بأن يضع حداً لِطموح كثيراتٍ يرغبن بإثبات مقدرتهن في خدمة الناس والمجتمع وبأكثر من مكانٍ وطريقة.

غياب القوانين أو إفراغها من مضمونها وتجاهلها، ليس إلّا جزءاً من مُفارقاتٍ كثيرة تعيشها العاملات في المجال الإعلامي والمُدافِعات عن حقوق الآخرين، تُضاف إليها انتهاكاتٌ أسهمت ظروف الحرب في ظهورها أو تكريسها بعد أن كانت تُمارس بشيءٍ من المُداراة، ومن بينها محاولات التحقير والإقصاء بناءً على الشكل واللباس، واللهجة، والانتماء الطائفي والمناطقي. أما الحجاب فله حكاياتٌ يصعب حصرها تحت عنوان أو في اتجاهٍ مُحدد.

تحكي لنا نور (28 عاماً) كيف أُقصيت شيئاً فشيئاً عن كتابة المقالات السياسية في صحيفةٍ خاصة دون سببٍ منطقي، وبعد أن تقصت وسألت وناقشت المعنيين، أتى الجواب في شكل رسالة متسلسلة عبر الزملاء مفادها أن «فتاةً مُحجبة لا مكان لها في صفحات السياسة»!

 

بيئاتٌ غير مُنصفة وغير آمنة

 

بالطبع، ما وَرَدَ عن التجارب السابقة لا يعني التعميم إطلاقاً، ولا يُلغي ما يُنافيها، كما لا يقتصر على المهنتين المذكورتين فحسب، لكنه يُؤكد أن العديد من مواقع العمل بيئاتٌ غير مُنصفة وغير آمنة، تفتقر إلى الحماية القانونية والمهنية رغم ما يظهر فيها من دعمٍ وهميٍّ وجزئيٍّ للمرأة. فضلاً عن عدم وجود مُؤسسات وجهات خاصة إعلامية وحقوقية تُقارب قضايا التمييز والظلم وعدم المساواة التي تتعرض لها النساء، ناهيك بعدم وجود دراسات وإحصائيات حكومية تبحث في ما تضطر العاملات في المهنتين إلى معايشته، حتى إننا لا نجد صفحة فيسبوك تهتم بهذا الشأن، وهو أمرٌ مُتوقع قياساً بما سبق، لِيصبح النفور وكراهية الصحافيات والمُحاميات قصصاً فردية تُحكَى للمُقرَّبين حصراً، ويُسكت عنها خوفاً من الفضيحة والمُواجهة بلا داعم. ولا تفوتنا الإشارة إلى صفحاتٍ عديدة وجدت في طبيعة المهنة التي تضع صاحباتها تحت الأضواء فرصةً لانتخاب ما سُميت «ملكة جمال الإعلاميات السوريات» وإطلاق ألقاب الغزل الفارغة المجانية، مثل «فراشة، وردة، جميلة»، فيما لم يُعثر على الملكة بين الحقوقيات حتى الآن!

“التداخل بين العديد من التصرفات العدائية

تجاه المرأة تصرفات قائمة على تمييزٍ جنسي”

لبنى شاكر