لأن المحبة والكراهية بالمجّان.. علمّوا أطفالكم المحبة فقط

كتابة :
ولاء سمير تميم

“لأنك سودا”

 

كانت تلك أولّ شتيمة أو جملة بشعة أو كلماتٍ قاسية توجه نحوي وأنا طفلة، اليوم علمت أن ذلك يندرج تحت خطاب الكراهية، وعلمت كيف لتغيير الكلمات أن يشّكل فرقاً.

عدت للمنزل وقلت لأمي يومها أنّ الفتيات في صفي لم يلعبن معي لأني “سودا” حضنتني أمي البسيطة الطيبة وقالت “أنتِ سمرا”، وغنت لي أغنية محمد منير “صحيح أنا أسمر وكل البيض يحبوني يالاللى، يا عود قرنفل ما بين الفل حطوني يالاللى”.

كنت طفلة في عامها الأول في المدرسة وصفعتني تلك الكلمات وكأنني حشرة بشعة بين سرب فراشات، وكأنني عوسج وكأنني نكرة، وإلى اليوم بقيت عالقةً في بالي، لا يعرف الناس ولا يدركون وقع كلامهم وتصرفاتهم على الآخرين إلاّ بعد فوات الأوان.

تلك الحادثة كانت من طفل لطفلة، ما بالكم اليوم وخطاب الكراهية ينتقل بين الناس والأطفال، على التلفاز وعبر الإنترنت والشارع والخطابات الثقافية والسياسية وكلمات الرؤساء والمسؤولين والمدراء والموظفين وكل شخص تصادفه أو قد تصادفه في يومك.

 

التربية اليوم أشدّ صعوبة

 

ولأنّ الأسرة تعدّ العامل الأول الذي يساهم في تربية الطفل وزرع كلّ فكرة في عقله، على اللغة التي يُخاطب بها أن تكون مسؤولة وواعية لكل كلمة، أن تكون لغة تهدف إلى الاحترام والتقبل والحبّ.

التربية اليوم أشدّ صعوبة من ذي قبل مع التطور التكنولوجي الذي يشهده البشر ومع الأجهزة اللوحية المتواجدة دوماً بيد الأطفال.

على سبيل المثال، كان لتصاعد خطاب الكراهية دورٌ كبير في رفع وتيرة الحرب في الشارع السوري على مدار سنوات النزاع، وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما زاد الأمر حدةً هو امتلاك المراهقين والأطفال طرق للوصول إلى حسابات وسائل التواصل والاطلاع على ما يكتب وينشر من أراء ووجهات نظر قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة بنتائج كارثية.

قدرة الخطابات التحريضية على الوصول أصبحت اليوم كبيرة جداً، بكبسة زر يمكن لأي صورة أو كلمة أو مقطع فيديو أن يصل لعدد هائل من الناس حول العالم وفي وقتٍ قياسيّ.

 

خطاب الكراهية

 

في الواقع لا يوجد تعريف موحد لخطاب الكراهية في القانون الدولي، على سبيل المثال، تُعرّف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان خطاب الكراهية بأنه جميع أشكال التعبير الشفهي أو المكتوب التي تنشر أو تحرض أو تروج أو تبرر الكراهية على أساس التعصب والدين.

وبحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة، فإن خطاب الكراهية هو سلوك يحرض على العنف، ويقوّض التنوع والتماسك الاجتماعي، ويهدد القيم والمبادئ المشتركة التي تربطنا، وهو شعور يثير العنصرية وكره الأجانب وكراهية النساء؛ ويجرد الأفراد والمجتمعات من الإنسانية؛ ويؤثر تأثيراً خطيراً على جهود تعزيز السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

هل شعرت مرةً بكلمةٍ ثقبت قلبك، أو كلمةٍ تركت عليك أثراً كأنها ناتجةٌ عن لكمةٍ مثلاً في شجار، هكذا تتولد خطابات الكراهية التي قد تقود لمجازر كبيرة أحياناً. لأن الكلمات يمكن أن تُحول إلى سلاح وأن تسبب ضرراً جسدياً ونفسياً بالغاً، يجب الانتباه لما نقوله وما نعنيه وما نخاطب به الأخرين، لأننا نعيش في مجتمع وليس ضمن غرفة مغلقة.

ربما مرت معكم صورة لشخصين يرتديان ملابس بطراز قديم وعليها العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “عندما كان الناس مجانين” “عندما كانوا أغبياء” “عندما كان الناس يأكلون قوالب الحلوى بالخبز”، كل تلك التعليقات قد يظنها البعض ذات أسلوب ساخر أو مثير للضحك، وتنهال التعليقات والتفاعلات على الصورة من هذا النوع من السخرية. 

لكن ألا يخطر للبعض أنه من الممكن أن يرى أصحاب الصورة أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو من الممكن أن يراهم أطفالهم أو أحفادهم أو أقربائهم، وقد يسبب موضوع السخرية منهم أمام هذا الجمع الغفير من الناس ردة فعل سيئة بالنسبة لهم مترافقة بالكثير من الحزن والمشاعر السلبية.

هنا يجب التراجع خطوةً للوراء والتفكير بمشاعر الآخرين أكثر والأخذ بالحسبان أنه يوجد أناس آخرون غيرنا في هذا العالم يفكرون ويشعرون ومن الممكن أن تؤذيهم كلماتنا وأفعالنا نحن أنفسنا الذين ننتقد الأشخاص لأتفه الأسباب لكننا غير قادرين على توجيه مسارات أقوالنا وأفعالنا تجاه الآخرين.

الخطاب اليوم ليس خطاباً فقط بل أصبح أفعالاً وأقوالاً موجهة، أصبح يأخذ أشكالاً أكثر عنفاً وأكثر أذية مع التطور الكبير الذي يشهده الإنترنت وشبكات مواقع التواصل الاجتماعي من حول العالم.

تكون البداية دوماً بنشر الوعي والتعليم، لأن المرء عدو ما يجهل، ولأن نقص المعرفة والجهل من أهم أسباب الكراهية، حيث تعمل فئة صغيرة من الناس على تحريض فئات واسعة على الكراهية والعنف، لتحقيق أهداف ومكاسب خاصة بها. 

ورغم الجهود المبذولة وكل الدعم الذي يبذله الأفراد أو المنظمات لمحاربة مثل هكذا نوع من السلوكيات المسيئة، إلاّ أنّ الأمر لا يزال منتشراً كثيراً ويصبح أكثر تعقيداً يوماً بعد يوم. 

قدرة الخطابات التحريضية على الوصول

أصبحت اليوم كبيرة جداً

ولاء سمير تميم