صور الأطفال في الحرب..

كتابة :
علي خزنة

صور الأطفال في الحرب..

بين الهوس “اللايكات” وقانون لا يُطبق!

“اعطونا الطفولة” لعلها الأغنية التي تعبر عن حال الأطفال السوريين خلال سنوات الحرب أو ما بعدها، ففي غمار الحروب يصبح الأطفال الحلقة الأضعف والمتضرر الأكبر، تطالهم أعمال العنف سواء بالرصاص أو القذائف وحتى عدسات الكاميرات.

لم يكن الأطفال في الحرب السورية ضحايا  القذائف والرصاص فقط، بل كانوا أيضاً هدفاً سهلاً لعدسات الكاميرات من كل جانب، حتى اليوم لم تغب صور الأطفال الذين قضوا جراء تفجير مدرسة عكرمة المخزومي في حمص، وصور الذين قضوا جراء سيارة مفخخة في حي الزهراء الحمصي، وصولاً إلى “طفل الحقيبة ” الذي وضعه والده في حقيبة سفر والتقطته عدسة الكاميرا حين نزوحهم من الغوطة الشرقية، وآلان الطفل ابن الثلاث سنوات الذي لفظته المياه التركية على شواطئها، فأصبح “تريند” على وسائل التواصل الاجتماعي.

التقاط الصور في أخلاقيات المهنة

 

يقول الصحفي ماهر المونس الأستاذ في كلية الإعلام: “المعايير المهنية نسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان والحالة. رغم ذلك هناك حدّ أدنى لا يجوز تجاوزه من هذه المعايير”

وأوضح في محاضرة ألقاها أمام طلابه في السنة الثانية: “أن احترام الخصوصية والكرامة الإنسانية وقبول الأشخاص المعنيين بالتصوير هي من المعايير البارزة، إلى جانب معايير الصدق وذكر المصدر ومراعاة القوانين والأعراف، خاصةً إذا ما كانت الصورة مرتبطة بحدث اجتماعي”

وميّز المونس بين الحصول على موافقة الأشخاص الذين نرغب في تصويرهم، وبين الحصول على رضاهم أو موافقتهم “المستنيرة”، إذ قد يقبل أحياناً الشخص بأن تصوره الكاميرا لكنّ هذا القبول لا يحمل رضى حقيقي وموافقة تامة، وربما يكون ناجماً عن إحراج أو ضغط من جانب معين.

القانون يمنع استغلال صور الأطفال.. ولكن؟

 

يشرح المحامي رامي جلبوط: ” حتى عام 2018 لم يكن هناك أي ضوابط أخلاقية أو قانونية لتداول صور الأطفال خلال سنوات الحرب السورية، لغاية صدور تعميم من وزارة الشؤون الاجتماعية يحظر نشر صور الأطفال الذين يتلقون مساعدات، منوهاً أن التعميم حينها كان محصوراً فقط بصور المساعدات الإنسانية”.

يضيف موضحاً: “الالتزام بتطبيق التعميم محدود جداً، فقد استمرت عدسات الكاميرات بالتقاط صور الأطفال وهم يتلقون المساعدات، دون أن يكون هناك محاسبة لمن ينشرها، لافتاً إلى أن تعميم وزارة الشؤون لم يحدد عقوبة لمن يستمر بنشر هذه الصور”.

وأردف المحامي جلبوط: “استمرت صور الأطفال بالانتشار حتى عام 2021، حيث  صدر القانون (21) لحماية حقوق الطفل، والذي حدد بالمادة 31 حظر استخدام صور الأطفال في المواد الإعلامية والإعلانية والفنية إذا كانت تنتهك خصوصية أو تؤثر سلباً في نماء الطفل.

وقد نصت المادة 32 منه على حظر إنتاج أو عرض أو تداول أو ترويج أو تصوير إلكتروني أو غير إلكتروني خاص بالطفل إذا كانت تضر بالطفل أو تشجع على سلوك جانح”.

يقول المحامي جلبوط: “لقد حرص القانون على حماية الطفل بكل الوسائل والطرق، و”للأسف” واليوم  يمر على صدوره أكثر من سنة، وما يزال حبراً على ورق، ولم يحدث أي تغيير، في الواقع فشل الأساس القانوني لحماية الطفل، وقد حاولنا التعويل على النظام الأخلاقي، ولكن لم يثبت نجاحه في حماية الطفل من الاستغلال.

موقف الجمعيات الإنسانية والخيرية

 

يتحدث الصحفي علاء الخطيب المسؤول الإعلامي بإحدى الجمعيات الخيرية: أن التصوير لعمل الجمعيات يتم لعدة أسباب منها للتوثيق ومنها للنشر، التوثيق يتم بأغلبه للجهة الممولة حين ترفع لها تقارير للتأكد من  مصداقية وسير العمل، فيما النشر على المواقع ومنصات السوشال ميديا الخاصة بالمؤسسة تخضع لمعايير أوسع وتأخذ بالحسبان متغيرات كثيرة، مثلاً نشر صورة وجه لأي كان يتلقى مساعدة مادية أو عينية ممنوع  منعاً باتاً.

بدايةً وحسب الخطيب لقد مُنع تصوير عمل الجمعيات الخيرية قانونياً، وذلك وفق تعميم صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويتم التذكير به كل فترة، وعلى الصعيد الأخلاقي لا يجوز بأي حال تقديم مساعدة أو الإشارة لها، لذلك يجب تقديم المساعدة فقط دون نشر أو تعريف الجمهور بالشخص الذي تمت مساعدته.

صور الأطفال من أجل “لايكات” أكثر

يقول الصحفي الخطيب: أن صور الأطفال في الجمعيات الخيرية وغيرها، تصل بسرعة للناس وتؤثر بهم أكثر من المنشورات المكتوبة، فصورة طفل يضحك تجعل المتلقي أقرب لـ “اللايك” و”القلب” على السوشال ميديا، ولكن أيضاً هناك معايير ومحاذير أخلاقية ومهنية وقانونية لابد أن نراعيها، فلا يتم  نشر صور لأطفال “التسول” لأن ذلك يعد امتهاناً لخصوصية الطفل  والعائلة ولقيمة الحرية أيضاً.

متى تنشر الجمعيات الخيرية صور الأطفال؟

 

يجيب المسؤول الإعلامي للجمعية الخيرية علاء الخطيب: تنشر صور الأطفال  خلال الأنشطة المتعددة التي تقوم بها المراكز والفرق، حيث لا يوجد أي ضرر أخلاقي أو قانوني من نشرها، ولكن لضمان أن تكون العملية سليمة تم الطلب من منسقي الإعلام العاملين على الأرض ومن مدراء المراكز والفرق تقديم طلب موافقة على التصوير والنشر لأهالي الأطفال المشاركين، حيث يستطيع أي أب أو أم رفض تصوير طفله، ومن المؤكد سيتم احترام رغبتهم وتنفيذها دون نقاش.

وفيما يتعلق بقصص النجاح التي يكون أبطالها أطفالاً، يوجد ما يسمى بـ “الموافقة المستنيرة”، والتي تعمم على جميع الفئات، ولكن بما يخص الأطفال لا تؤخذ موافقة الطفل، بل موافقة أهله، ولا يٌكتفى بالموافقة الخطية من الأهل لعرض الصور، بل يتم الشرح والتفسير لهم عن ماهية وهدف استخدام الصور أو مقاطع الفيديو، بحيث يصبح للأهل دراية تامة بالعملية وما ينتج عنها، فهذه مسألة أخلاقية وقيمية بالدرجة الأولى.

في غمار الحروب يصبح الأطفال

الحلقة الأضعف والمتضرر الأكبر

علي خزنة