سوريتان تكسران النمطية بشفاه مطبقة وقدمين مثبتتين!

كتابة :
ناديا سوقية

رائدة وإيناس .. سوريتان تكسران النمطية بشفاه مطبقة وقدمين مثبتتين!

 

كسرت رائدة صورة “الحكواتي” المقترنة بممتهن/ة الحلاقة الرجاليّة والنسائية، فهي لا تقصّ على زبوناتها حكايا الصالونات ولا تنقل أحاديث المتنافسات منهن على كرسي التجميل في صالونها، فهي صماء منذ الولادة.

 

رؤية جديدة للحياة

 

تعلمت فنون التجميل والحلاقة وتصفيف الشعر، وماتزال تمارس المهنة منذ أكثر من 15عاماً,حيث افتتحت صالوناً خاصاً  في مدينتها القطيفة ,واستطاعت أن تحقق حضوراً مميزاً بين مزينات المدينة. فقد وجدت بعملها في تصفيف الشعر و امتلاكها لمكان عمل خاص بها؛   رؤية جديدة للحياة ومجابهة أقوى لصعابها، تقول رائدة :”علمني الشغل كون قوية وما احتاج حدا “، وبرغم ذلك لم تخفِ تعرضها للمشكلات خصوصاً في التواصل مع السيدات لعدم معرفة غالبيتهن بلغة الإشارة، وهذا يدفعها تارةً للاعتماد على أمها أو إحدى أخواتها للترجمة ,وتارةً أخرى تلجأ  للتواصل معهن بالكتابة، إضافة للاستعانة بالهاتف الذكي ,وتطبيقاته, ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحتوي على نماذج من وحي عملها, وتجارب في صالونات عربية أخرى.

لا تستطيع زائرة صالون رائدة  المتواضع لأول مرة معرفة إعاقتها، فالزائرة سترى امرأة ثلاثينية تصفف الشعر، تقص الغرة، تشذب الحواجب، أوتضع الماكياج لعروس ما، وإن احتاجت للكهرباء وقت التقنين فالمولدة جاهزة.

قصة رائدة ليست إلا مثالاً عن تحدي الروح لانطفاء الصوت،تحدي أوقدت  فيه رائدة ما تبقى من حواسها للبقاء والحياة كما كل محب لها.

فُتح باب الشهرة

 

في مشهد آخر للتحدي وحب الحياة، خَلقت إيناس اسماً في عالم “الفيس بوك”، وبأصابع منحنية معكوفة،كتبت اسمها على “غوغل”مقروناً باسم مدينتها، وعلى كرسيها المتحرك وبقدميها العاجزتين عن السير، جلست خلف شاشة حاسبها وجابت أنحاء العالم.

عاشت إيناس طفولة كما أقرانها، لكن رحلتها مع الجري والقفز انتهت بعمر السبع سنوات بعد اكتشاف إصابتها بالتواء بالقدمين، لتنضم لأختيها اللتين ساء حالهما بعد تطور أعراض مرضهما ,كونه مرض وراثي انتكاسي أي يزداد تأثيره على الأطراف مع التقدم بالعمر، لم تيأس حينها وأهلها فأجرت العديد من العمليات إلى أن وصل بها الحال  الجلوس على كرسي متحرك، بحسب قولها.

تخرجت من كلية الآداب، قسم الأدب العربي عام 2010، ونالت حصتها من الفراغ والملل وعدم الجدوى، فحاولت الاستفادة من دراستها الجامعية والحصول على وظيفة، بعد أن سجلت بمكتب العمل، وتلقت وعوداً بذلك لامتلاكها بطاقة إعاقة، قيل أنها ستيسر توظيفها.

ولأنها رفضت أن تنزوي في غرفتها مستسلمة للاكتئاب، جارت موضة وسائل التواصل الاجتماعي وملأت وقتها بالعمل على صفحة تنقل أخبار مدينتها وسكانها، ورسائل التهاني والتبريكات بينهم , وهكذا دخلت إيناس عالم “الفيسبوك” في عام 2012 لكن عملها ازدهر واكتسح سوق مدينتها الإعلامي بعد ذلك بثلاثة سنوات، لتتطور أخيراً إلى تقديم محتوى تجاري يتمثل بالإعلانات والمسابقات.

فتح عمل إيناس باب الشهرة لها، واكتسبت منه القوة قبل المال ، فأطلقت العنان لطموحاتها، خصوصاً بعد تعاونها مع منظمات إنسانية، حيث قابلت أصدقاء عززوا إيمانها بعملها وثقتها بنفسها، أناس اشتركوا معها بالألم والأمل.

ورغم نجاحها في إدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تسعى إيناس للحصول على وظيفة حكومية كونها “ضامن آمن للتأمينات ولراتب تقاعد مستقبلاً” كما تقول، وتستنكر رفض توظيفها بناءً على ما ذكر في بطاقة الإعاقة بأنها بحاجة إلى مرافق، علماً أنها تستطيع أن تمشي بيسر على كرسيها الكهربائي، وقد نالت وعود سابقة بوظيفة إدارية لها.

 

رائدة وإيناس مزقتا صورة الشخص المنزوي

 

لم يسقط عن رائدة وإيناس لفظ “المعوّق” الذي يُختلف عليه كلما فرضت مناسبة رغم نجاحهن في تحقيق طموحهما وتأمين حاجاتهما الضرورية.

ويذكر أن قانون المعوقين لعام 2004 يعرف المعوّق بـأنه الشخص الغير قادر على تأمين ضرورات الحياة الفردية الاجتماعية العادية لنفسه وبنفسه سواء بصورة كلية أم جزئية بسبب قصور خلقي أو مكتسب في قدراته الجسمية أو العقلية.

لا تبالي إيناس ورائدة بما سيطلق عليهما من تسمية، معاقات أو ذوات الاحتياجات الخاصة، فالأهم بالنسبة لهما هو المعاملة باحترام والاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة كأشخاص فاعلين وفاعلات بالمجتمع، لهم/ن حصص من التعليم والعمل والترفيه ومايقابل ذلك من تخصيص لأماكن تعليم مؤهلة ووسائل للنقل أو مساحات فيها على الأقل، وتفضيل بقوائم الحصول على الخدمات، وأيضاً أماكن للاصطياف مع عدم التقليل من مشاعر الأشخاص ذوي الإعاقة غير القادرين/ات على التعبير.

إن وجود أشخاص من ذوي الإعاقة، مثل رائدة وإيناس اللتان مزقتا صورة الشخص المنزوي، يفرض تساؤلات عن سبب الإلغائية المختبئة في البلاد متمثلة بحدائق بلا ألعاب للمكفوفين/ات أو لذوي الإعاقة الحركية، مدارس ريفية بدون صفوف مؤهلة لاستقبالهم/ن، أو مدينة كاملة بدون مركز تأهيل، وشاطئ محذوف من رواده كلمة “ذوي إعاقة”، ليأتي السؤال هنا : كم نحتاج من وقت وجهد للتوعية حتى يتقاسم الشخص السليم والشخص المعوّق حق الحياة بطبيعتها؟

“لم يسقط عن رائدة وإيناس لفظ “المعوّق”

الذي يُختلف عليه كلما فرضت مناسبة”

 

ناديا سوقية