خطاب الكراهية دعوة مفتوحة لاستهداف السوريين/ات في لبنان

كتابة :
محمد الواوي

في الحرب الأهلية الرواندية عام 1994 لعبت إذاعة (RTLM) الرواندية دوراً في إذكاء الصراع بين عرقيتي (الهوتو) و(التوتسي)؛ إذ حرضت إذاعة RTLM على قتل (التوتسي) خلال تغطيتها للأحداث، ووصفتهم بأنهم “صراصير”. قضت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بعقوبة السجن مدى الحياة على عدد من الأفراد المسؤولين عن ترويج الكراهية عبر الإذاعة. هذا المثال التاريخي الهام الذي ذكره دليل (تجنب التمييز وخطاب الكراهية) الصادر عن (معهد الجزيرة للإعلام)، ليس إلا شاهداً على الدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام بشكل سلبي وبخاصة الجماهيرية، وممن الممكن أن ينتج عنه جرائم قتل وتطهير عرقي تحصد أرواح آلاف الأبرياء.

 

التمييز العنصري

 

حالات التمييز في إعلام البلدان المستضيفة للاجئين/ـات السوريين/ـات كثيرة، وفي لبنان الذي يضم نحو 865,531 لاجئاً ولاجئة سورياً/يةً مسجلون/ـات لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) حتى نهاية 2020، مثّل خطاب الكراهية الذي مارسته وسائل الإعلام وسياسيون/ـات وشخصيات لبنانية أداة سلبية خلقت بيئة معادية للتواجد السوري عموماً، نجم عنها في كثير من الأحيان تمييز عنصري تجاههم ووصل إلى الطرد من بعض المناطق وإلى القتل العمد. وتحميلهم تبعات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً، نورد هنا مثالاً من دليل (تجنب التمييز وخطاب الكراهية)، حيث نشر موقع (MTV) خبراً بعنوان (السرطان يجتاح لبنان… وسببان يساهمان بانتشاره)، إذ نقلت القناة تصريحات طبيب أعتبر اللاجئين/ـات السوريين/ـات أحد مسببات ارتفاع نسبة المصابين بالسرطان في لبنان!!! وعلى الرغم من عدم ذكر الطبيب لأدلة دامغة، فإن القناة تعاملت مع التصريح على أنه حقيقة علمية. حذفت القناة الخبر من موقعها لاحقاً.

 

خطاب الكراهية يستهدف اللاجئين

 

تعاملت مع التصريح على أنه حقيقة علمية. حذفت القناة الخبر من موقعها لاحقاً.

ولا يتوقف خطاب الكراهية على القنوات التلفزيونية ومواقعها على شبكة الإنترنت، حيث يمكن لحراس البوابة في هذه المؤسسات ضبطها، في حال أرادوا ذلك، بل تعدى ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ففي نهاية أيلول من العام 2019، نشر موقع (إنفو تايمز) تقريراً مدعوماً بالبيانات أنجزته الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج) بالتعاون مع الموقع. ويحلل التقرير تغريدات شخصيات سياسية واجتماعية معروفة في لبنان حول اللاجئين/ـات السوريين/ـات، بغرض معرفة شكل الكراهية الذي يستهدف اللاجئين/ـات، إضافة إلى معرفة الشخصيات المتضامنة مع اللاجئين/ـات السوريين/ـات. حلل فريق العمل -باستخدام خوارزميات برمجية- قرابة 238 ألف تغريدة نُشرت خلال الأعوام الممتدة من 2011 حتى 2019،  لاستخلاص التغريدات المتصلة منها بموضوع اللجوء السوري في لبنان، والتي بلغ عددها 1454، غرَّدت بها 68 شخصية لبنانية من مجموع الشخصيات المرصودة في البحث، وتبين أنّ 23 شخصاً من القائمة، لم يتطرقوا مطلقاً لموضوع اللاجئين/ـات السوريين/ـات على (تويتر). وخلصت نتائج البيانات إلى أن أكثر من نصف تغريدات الشخصيات المدروسة تبنت خطابات مناهضة للسوريين/ـات.

 

اعتداءات لفظية وجسدية

 

وبسبب خطاب الكراهية، عانى سوريون/ـات على مدى سنوات من اعتداءات مباشرة لفظية وجسدية، وإلى فرض إجراءات قسرية عنصرية وتمييزية مثل تقييد حرياتهم في التنقل والعمل. ولعل حادثة حرق مخيم في منطقة المنية شمال لبنان في كانون الأول 2020 أبرز مثال عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسوريين/ـات جراء هذا الخطاب. وتستمد هذه التصرفات خطورتها كونها انتقلت إلى مرحلة العقاب الجماعي دون تفريق وإلى تعميم الأحكام. حيث نقلت الوكالة اللبنانية للأنباء (NNA) أن عدداً من المواطنين في منطقة المنية شمالي البلاد أضرموا النار في مخيم للاجئين بعد شجار اندلع بين أحد أفراد عائلتهم وعمال سوريين. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أن حريقاً كبيراً اندلع في مخيم للاجئين/ـات بمنطقة المنية وأن عدداً من الجرحى نقلوا إلى مستشفى قريب، من دون تحديد عددهم. وأشار المتحدث باسم المفوضية خالد كبارة إلى أن “الحريق امتد لكل مساكن المخيم” المبنية من مواد بلاستيكية وخشبية والتي تقيم فيها حوالى 75 أسرة سورية لاجئة.

تعرضت عائلات سورية لعمليات انتقام جماعية إثر إشكاليات فردية بين سوريين ولبنانيين في مناطق لبنانية عدة. حيث ُطردت عائلات سورية من بلدة بشري في تشرين الثاني 2020، بعد اتهام سوري بقتل مواطن لبناني إثر إشكال فردي بينهما، تلا ذلك موجة غضب ضد كل السوريين/ـات الموجودين/ـات في البلدة، حيث أحرق شبان من البلدة منازل لسوريين/ـات، و”قامت مجموعات من شباب بشري بطرد السوريين/ـات من البلدة كرد فعل على الجريمة”، وفق ما نقلت الوكالة اللبنانية للأنباء (NNA) آنذاك. وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد لوكالة (فرانس برس) في ذلك الوقت إن المفوضية “على علم بأن نحو 270 عائلة سورية غادرت بشري حتى الآن”.  بالطبع أدانت منظمات حقوقية محلية ودولية بالإضافة إلى ناشطي/ـات حقوق الإنسان في لبنان سلسلة الاعتداءات.

إن أهم عناصر الاتصال، هي المرسل والرسالة والمستقبل، أما الرسالة التي يُخشى أن تصل إلى المتلقي/ـة، وتغرس في عقله/ـا بسبب خطاب الكراهية والتمييز المكرر الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها إلى جانب بعض النخب اللبنانية: استهداف هذه الفئات الهشة مباح إلى أن يعودوا لوطنهم.


تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع صوت وصورة وصدى الذي تنفذه مَوج 2021

خطاب الكراهية تعدى الى

وسائل التواصل الاجتماعي

 

محمد الواوي