تصويب لا بدّ منه: عرائش عنب نرفع رؤوسنا نحوها

كتابة :
ولاء سمير تميم

كعرائش العنب هنّ النساء

كنت دوماً أسعى وراء تشبيهات جديدة لأجعلها عباراتٍ تلفّ ما أريد التعبير عنه بكلماتٍ ساحرة تقدّمه بطريقة تشبهنا جميعاً، كنت أسأل كلّ من استطعت: أميّ، وجدتي، وأصدقائي وصديقاتي عن أشياء كثيرة، لأجمع ما استطعت من التشبيهات، وأحتفظ بما أحبّ منها.

 سألت جدتي مرةً: بماذا تشبّهين النساء؟

أجابت: «النساء كعرائش العنب».

فكرّت كثيراً بذلك التشبيه الجميل، تذكرت أميّ وصديقاتي ومن أعرفهنّ من الفتيات والنساء، تذكرت من تمسك بيد ابنها على مفترق طرق، ومن تسهر على مرض أولادها، من تمسك أوراق التسجيل في المدرسة والجامعة، من تقف في الطوابير، ومن تعمل، ومن تشتري، ومن تربي، ومُن تعلّم، ومن تزرع ومن تحصد. تذكرت وجه أمي الطيب، وكل فيء عريشة جميل رأيته في حياتي.

أعرف عرائش عنب بعدد أصابع يدَيّ وأكثر، أعرف عرائش خضراء، ومروجاً وأكواناً بأسرها من الفتيات الصغيرات، السيدات، الأمهات، العاملات، أو من جمعن أكثر من صفة في شخصيةٍ واحدة ونجحن فيها جميعاً.

تتخطى قدرات المرأة الحدود

كنانة نُصرة، واحدة منهنّ. هي صاحبة الضحكة الجميلة، الزوجة والأم، المترجمة والمعلمة، هذه بعض الصفات التي يطلقها من يعرفون كنانة، التي تدير شركةً للترجمة وتعمل مع نحو مئة وخمسين مترجماً.

لا تقتصر مهماتها على إدارة الأعمال وتربية الأطفال فقط، وإنما هي اليوم تنقل معرفتها إلى جيل جديد. من وجهة نظرها أن أحد الأمور التي تميز المرأة عن الرجل «قدرتها على إتمام مهمات متعددة في الوقت نفسه، بالإضافة إلى كونها زوجة وأماً ومربية، وابنة، وأختاً، تتخطى قدرات المرأة الحدود عندما يتطلب الواقع اتخاذ خطوات ديناميكية تمكنها من المحافظة على توازن هذه الأدوار».

وعن دورها في الحياة والعمل تقول كنانة: «أنا واحدة من سيدات كثيرات قادرات على أداء عملي وواجباتي العائلية والمنزلية بتوازن دقيق أساسه إدارة وتنظيم الوقت، هذه مهارة تمتلكها المرأة الطموحة الحريصة على النجاح في كل مجالات حياتها».

تكشف نصرة ما تعتبره سر نجاحها في مسيرتها المهنية والعائلية قائلة: «أؤمن بأن كل شيء يحدث في وقته المناسب، وبفضل هذه القناعة لم أستعجل مسيرتي المهنية، بل كنت متأنية، أبحث عن العلم والمعرفة دون أن أغفل الاهتمام بعائلتي وأولادي، وعندما اشتد عودهم كنت قد حصدت ما يكفي من الخبرة والتجربة لأتخذ خطوات عملية في مهنة حققت بفضلها نجاحاً مرضياً أفخر به».

وتضيف: «ساعدني على النجاح وجود الشريك المناسب والمتفهم لما أقوم به، الذي ينظر إليّ بوصفي شريكة ومساهمة في بناء العائلة، لا يدخر جهداً في دعمي وتشجيعي، وكثيراً ما يتنازل عن راحته الشخصية في سبيل تحقيق نجاحاتنا المشتركة».

تعتقد كنانة أن «أغلب الرجال يمتلكون هذه المزية، وبعضهم قادر على توفير الجو السليم والداعم لتنطلق زوجته وأم أولاده في عالم النجاح والإبداع والتميز».

الزواج مؤسسة قائمة بذاتها

على الضفة ذاتها، الجميلة والمُتعِبة، والمليئة بالأحلام، تُعرّفنا مرح ماشي على بعض جوانب رحلتها في عالم الصحافة. تقول: «العمل قيمة للإنسان ما دام قادراً عليه. هو ضرورة مُلحّة وليس مجرد حالة من إثبات الذات».

من وجهة نظر مرح «تبرع المرأة في تعدد المهام، وتجذبها التفاصيل ودقتها، فمعظم أمهاتنا برعن في هذه الصيغة ونجحن فيها، إلا أن ذلك جعل كثيرات يقعن في فخ إهمال الذات، رغم أن أكثر ما تحتاج إليه الحياة امرأة منسجمة مع ذاتها وأنوثتها».

اللافت حسب مرح أن «المرأة لدينا تطالب بالمساواة مع أنها في كثير من الأحيان تقوم بأعباء وواجبات الرجُل، ومن غير تململ أو شكوى».

تحكي مرح عن بعض التحديات المهنية التي واجهتها: «كان التحدي كبيراً في العمل الميداني، عملت ضمن أصعب ظروف الحرب، وما زالت الصعوبات التي تواجه العمل الصحافي في سورية في مسار تصاعدي، في ظل ما تتطلبه المهنة من حرية القول والكتابة ونقل معاناة الناس بأمانة».

أما الزواج فهو «مؤسسة قائمة بذاتها تحتاج الكثير من الوقت والاهتمام والمسؤولية، يكمن التحدي الحقيقي باستمرار العمل والنجاح في مهنة صعبة بعد الزواج. هنا يساعد الدعم والتشجيع المتبادل بين الزوجَين على تحقيق حياة مهنية مريحة وناجحة، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات الحياة المشتركة، وفق مسؤوليات متعلقة باقتران الاسمين وتأثير مهنة المتاعب على المؤسسة الزوجية التي يترتب على الشريكين الحفاظ عليها وحمايتها».

تعتقد ماشي أن هناك «نقصاً صادماً في تمثيل النساء ضمن المناصب التنفيذية في سوريا، وفي كثير من المجالات التي تهم النساء بشكل خاص».

تقول «برأيي لم يتطور أو يتحسن وضع المرأة خلال سنوات الحرب، بل زادت التعقيدات، وابتعدنا أشواطاً عن تحقيق أي مكاسب بعد نضالات طويلة خاضتها المرأة السورية، قبل الحرب وخلالها». تضرب مثالاً على كلامها بـ «عدم وجود تمثيل كافٍ للمرأة في المجالس المحلية التي تدخل في تفاصيل الحياة اليومية والخدمية، فكيف ننتظر أن نراها في مناصب أعلى!؟ هنالك ما يجعلك تعتقدين أن المناصب الأعلى التي شغلتها المرأة في بلادنا، لا تعدو كونها فخرية أو بلا مقدرة حقيقية على المشاركة بصنع القرار».

رحلة مليئة بالإنجازات

نصل إلى قصة هبة حيدر، ورحلتها في عالم الأمومة والترجمة. هبة المبتسمة دائماً، الصديقة «الكدعة» لكل من يعرفها. هي أُمٌ لطفلين، ومدرّسة للغة الإنكليزية، دخلت قبل فترة عالم الترجمة. لم تحدثنا هبة عن نفسها، بل يفعل زوجها ذلك. يقول: «أستطيع أن أقول من تجربتي إن قدرة المرأة على التكيف مذهلة، تستطيع هبة أن تكون أماً ومدرّسة ومترجمة وطبّاخة ماهرة. تركض خلف الأطفال وتلعب معهم وتمازحهم طوال الوقت، ترتب المنزل وتعتني بشؤونها وشؤوننا وتهتم بأدق تفاصيلنا. تفعل كل هذا بشكل يومي وهي مبتسمة وراضية».

ويضيف: «أقول صادقاً: سأفقد قدرتي على الابتسام إذا قمت بكلّ هذه الأعمال بمفردي. ضغوطات الحياة التي نعيشها في بلادنا ستجعلك ناجحاً إن أنجزت عملاً واحداً فقط في اليوم، لكن أن تحقق أهدافاً عديدة وأنت مفعم بالمشاعر والعواطف الجميلة التي تلون البيت وتفاصيل الحياة فهذا هو الإنجاز الحقيقي!».

هؤلاء النساء لسن سوى بضع نماذج في مجتمعٍ يمتلئ بكثيرات بكامل شغفهن، وطموحهن، وقوتهن. تُصحح المرأة اليوم تلك النظرية المغلوطة التي توجز المرأة بأنها شخصٍ خلق لمهمة واحدة فقط، وليس لها «غير بيت جوزها».

حسناً، أنا أُفضل نُسخة جدّتي: «النساء كعرائش العنب».. خضراء، وكبيرة، وعالية، وقوية. نستطيع أن نجلس في فيئها، ونأكل من عنبها، نصنع من ورقها وجبات شهية، ظلالها تحمينا، وكلما أردنا النظر إليها رفعنا رؤوسنا عالياً.

“العمل قيمة للإنسان،

طالما إنه قادر عليه.”

مرح ماشي