بين الزلزال وخطاب الكراهية.. النساء الحلقة الأضعف

كتابة :
محمد سليمان

عادة ما تصبح المعاناة وجه الحياة الأبرز أثناء الكوارث وخاصة بالنسبة للنساء، اللواتي يدفعن أثمان مضاعفة مقارنة مع الرجال، بسبب النظرة المجتمعية وتراكم التمييز الجندري، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، فينظر لحاجياتهن وطلباتهن على أنها آخر الاهتمامات، عدا عن خجل طلب تلك الحاجيات بسبب الخوف من المجتمع، فإذا بدأ الحديث عن معاناتهن التي تكونت بسبب نقص حاد بوصول مستلزماتهم النسائية الصحية الضرورية، والخجل المكون لديهن من الأمر، وما يتبعه من خطاب الكراهية الذي وجه لهن تحت عنوان

 (ما بتخجلي ع حالك تطلبي هل شي؟ وطلعي من هل مكان أنت هلق نجسة) لا ينتهي الحديث عند انتهاك الخصوصية، وعدم القدرة على الشكوى من الاختلاط غير المدروس، دون آليات للإبلاغ عن أي تجاوزات أو خرق لمساحتهن الشخصية.

 

مشاهدات من الزلزال

 

كانت مقبرة الصالحين في حلب ملجأ لحوالي 25 عائلة حلبية، تم إخلاؤهم من منازلهم إلى حين التأكد من أنها صالحة للسكن بعد الزلزال، الخيم المتلاصقة واختلاط العائلات في الخيمة الواحدة، وضعت النساء هناك في تحد ٍحقيقي، وخصوصاً من كن منهن بفترة الدورة الشهرية” الحيض، ابتداءً من النظرات التي فيها من الاستحقار والكراهية ما يكفي لإجبارهن تعريض حياتهن للخطر، تتحدث ” مرام اسم مستعار”عن تجربتها قائلةً :” أثناء الاستحمام في الخيمة وتنظيف نفسها وهي بفترة الدورة الشهرية، لاحظت أن رجلاً ينظر لي ويتابع أدق تفاصيل جسدي وكيف أضع الفوطة النسائية، لكن لم أجد أي تصرف مناسب لأتصرفه، فإن بحت بالموضوع سيكون جواب عائلتي أن هذا الأمر أي الاستحمام وتبديل الفوط الصحية ليس وقته، وسيلقي علي الجميع اللوم وأنفضح، لذلك لجأت في المرات الأخرى إلى حمام في بناء مقابل وكان آيل للسقوط، وفي كل مرة كنت أعتقد أني لن أخرج منه”

وحتى النساء في المدارس ومراكز الإيواء لم يكن بوضع أفضل، فاختارت ثلاث عائلات تتشكل من النساء فقط لجأن إلى مدرسة التربية الموسيقية في حلب، الابتعاد عن الناس والجلوس بمفردهن بأحد طوابق المدرسة، بعد تعرضهن لخطاب قائم على التمييز الجندري ومحاولات استغلالهن من قبل البعض كونهن نساء فقط دون رجل هذا أولاً، حتى امتنعن عن طلب مستلزماتهن المتعلقة بالدورة الشهرية، والملابس الداخلية، خوفاً من زيادة خطاب الكراهية و” والهمز واللمز” حولهن، كما عبرت “منى – اسم مستعار وهي أم لأربع فتيات، يحتجن فوط صحية على مدار الشهر، فعملت على إعادة تدوير الملابس القطنية القديمة كبديل للفوط النسائية، معتمدةً على خبرتها في الخياطة.

وفي جامع الحجار قرب بستان الباشا اختارت بعض النساء عدم الحصول على معونات بسبب الازدحام، بعضهم استعان بابنه الصغير للحصول على المعونات ولكن كل ما كان يحصل عليه بعض وجبات الطعام لأن المعونات اقتصرت على البطانيات والمعلبات دون تسليط الضوء على أهمية فوط صحية للنساء، أو أي مستلزمات تخص النساء، ولم تستطع النساء طلب حاجياتهن بسبب الخطاب الذي عمم والذي تحدث عن منع النساء من دخول الجوامع بحال كانوا بدورتهن الشهرية.

 

مشاهد من جبلة!

 

أما في مدينة جبلة، وصلت المعونات التي تحتوي مستلزمات نسائية، ولكن الخجل حال دون حصول النساء على هذه المواد، فبعض النساء طلبت أن توزع هذه المواد من فتيات حصراً، وبشكل سري والبعض الآخر اعتبر أن الأمر معيباً، ويجب الحفاظ على سريته، فلم تحصلن على هذه المواد خجلاً من تسجيل اسمها من بين المستفيدات، وأثناء الجولة في الملعب البلدي بالمدينة، كان تبادل الفوط النسائية يتم بطريقة سرية وكأنها أشبه بالمواد الممنوعة، وهذا ما يعتبر جزء من ثقافة المجتمع المتوارثة

ورغم الحملات التي سلطت الضوء على الأمر، إلا أن الكل كان يصب اهتمامه على تقديم الفوط النسائية، دون الانتباه لأهمية المعقمات والملابس الداخلية والصابون وغيرها من الأمور التي تحتاجها النساء للوصول لحالة صحية سليمة عند بدء دورتها الشهرية.


“تبادل الفوط النسائية يتم بطريقة سرية

وكأنها أشبه بالمواد الممنوعة “

محمد سليمان