النمذجة الاجتماعية الجنسية وصحتنا النفسية

كتابة :
هبة موسى

النمذجة الاجتماعية الجنسية وصحتنا النفسية

“الإنسان لا يولد امرأة بل يصبح ذلك لاحقاً”

 

يشمل مفهوم الصحة البشرية الصحة العاطفيّة، والنفسيّة، والاجتماعيّة، وهي تؤثر على شعورنا وفطرتنا وعلى أسلوب تفكيرنا، وطريقة تواصلنا مع الآخرين وحتى أسلوب  تعاملِنا مع ضغوطات الحياة التي نعيش،  وهي أمور متشعبة تتحكم بحياتنا وتختلف حسب المراحل العمرية التي نمر بها من الطفولة فالمراهقة إلى البلوغ، فأي مشكلة تطرأ عليها ستؤثر على تفكيرنا ومزاجنا بشكل مباشر.

 

 في الحياة هل نختلف، وكيف؟

 

تؤثر العوامل البيولوجية والتجارب الحياتية بما فيها التاريخ الأسري وسوء المعاملة والصدمات على الصحة البشرية، ومن هنا نصل إلى صلب موضوعنا  في النمذجة الاجتماعية الجنسية عند الجنسين، والتي لها تأثير كبير على حياتنا وعلى صحتنا النفسيّة.

منذ الأزل، ونحن نعاني من التفرقة بين الذكر والأنثى، حيث تختلف الاختيارات، والقرارات، والموارد المتاحة، وشكل ارتباط كل منهما بالآخرين، وتوقعات المجتمع منهما، وحتى توقعات كل منهما من نفسه، وهكذا تختلف حياة الذكر كل الاختلاف عن حياة الأنثى

إن الطريقة التي نرى بها أنفسنا والعالم، هي نتيجة اختلاف تصنيف المجتمع لنوع السلوك الاجتماعي للذكر والأنثى، وهو ما يُعرف بالقوالب المنمذجة للجنسين؛ فلا شك أن الصحة النفسية لكل منهما تختلف باختلاف تجاربهما الحياتية العملية.

 ليس غريب ما نسمعه من نقاشات ساخنة بشأن الاختلافات بين الجنسين من حيث نسبة تعرضهما للأمراض النفسية، إذ يعتقد البعض أن النساء يعانين من المشاكل النفسيّة بنسبة أكبر، ويرى البعض الآخر أن الرجال  أكثر عرضة لهذه المشاكل، في حين يعتقد آخرون أن كلا الجنسين يعانون منها وبنفس النسب.

وعند سؤال كل منهما عن  مشاكل الصحة النفسية وأعراضها، وجد أن النساء كن أكثر قابليّة للشكوى، في حين مال الرجال إلى عدم الإفصاح لدرجة الصمت، والسبب فكرة النمذجة الاجتماعية عند الجنسين.

الاكتئاب من الأمراض النفسية التي تصيب الرجال والنساء على حد سواء، لكن الأبحاث تحدثت عن معاناة  النساء منه بنسبة أكبر من الرجال، فواحدة من كل أربع نساء تعاني من هذا المرض، بالمقابل واحد من كل عشرة رجال يصاب به لأسباب غير واضحة، ولكن يُعتقد أن ذلك نتيجة لعوامل بيولوجية واجتماعيّة، وقد رجح أن تعاني المرأة من القلق ضعف ما يعانيه الرجل، في حين احتمالية تعاطي المخدرات ومشاكل الإدمان تكون عند الرجال بنسبة أكبر منها عند النساء.

تفشل بعض النساء في التعبير أو الشرح عن مشاعرهن الصعبة، وحتى عن القدرة على استيعابها، مما  يسبب لهن قلقاً يصل لمرحلة الاكتئاب، وقد يؤدي عجزهن عن التعبير عن آلامهن العاطفية إلى إيذاء أنفسهن، في حين يلجأ بعض الرجال لاستخدام القمع والعنف ضد الآخرين.

 

العوامل البيولوجيّة

 

 يؤثر هرمونا الإستروجين والبروجسترون تأثيراً كبيراً على كلٍ من المزاج، والإجهاد، والإدراك، وقد حددت الدراسات الطرق التي تؤثر بها هذه الهرمونات على الصحة النفسية، وقد تتراوح من تطور الخوف والقلق إلى خطر تعاطي المخدرات والكحول.

ولكن هذا ليس العامل الوحيد. فبلا شك للعوامل الاجتماعيّة أثر لا يمكن إنكاره على الصحة النفسية مثل: التوقعات الملقاة على كتف كل منهما من المجتمع إضافة لتأثير العنف والتمييز اللذين قد يكونا مرا به، فلا يمكننا الافتراض أن العوامل المؤثرة اجتماعية بحتة أو بيولوجيّة بحتة، وإنما مزيج من كل شيء، فالإنسان  ابن بيئته وتجاربه الاجتماعية.

 

العوامل الاجتماعيّة

 

تعود النمذجة الاجتماعية الجنسية لعدة أسباب مجتمعيّة، منها ما يقع بسبب الرعاية الأساسيّة للأطفال والتي تقع مسؤوليتها على النساء بنسبة كبيرة، وهنا تؤثر الرعاية المكثفة على الصحة النفسية والبدنية للطرفين، وكثيراً ما تلعب النساء أدواراً متعددة في الحياة فهن أمهات، وشريكات حياة، ومقدمات رعاية، ومسؤولات عن إدارة معيشة الأسرة، فضلاً عن قيامهن بأعمال مدفوعة الأجر، وقد أشارت الأبحاث والدراسات عن دور الفقر والانشغال بالأعمال المنزلية في عزل النساء عن محيطها.

كما أن الاعتداء البدني والجنسي على الفتيات والنساء يترك أثراً طويل الأمد على صحتهن النفسية لاسيما إن لم يحصلن على المساعدة والدعم اللازم لمعالجة الآثار السيئة الذي سببه هذا الاعتداء.

تؤثر مشاكل النمذجة الاجتماعية والصحة النفسية على الرجال والنساء بشكلٍ متساوٍ، لكن بعضها أكثر شيوعاً بين النساء، فالعوامل الاجتماعية المختلفة تعرض النساء لخطر سوء الصحة النفسية أكثر من الرجال، وكثيراً ما يكون لسوء المعاملة دوراً في المشاكل النفسية عند المرأة وهنا ينبغي المراعاة في تقديم العلاجات للجنسين، ولا نتجاهل أن طبيعة حياة المرأة ومسؤولياتها الاجتماعية وأولوياتها تجعل عنايتها واهتمامها بصحتها النفسية صعباً رغم إدراكها ضرورة ذلك، لكن استعدادها للحديث عن مشاعرها، وامتلاكها شبكات اجتماعية قوية يساهم في تعافيها وحماية صحتها النفسية.

واقع الحال

 

يكتشف الطفل أثناء تفاعله مع أبويه دوره في المجتمع، وتبعات هذا الدور، والتوقعات المطلوبة منه في مختلف المواقف، كما يفهم دور والديه في الحياة، ويعرف معنى الذكورة والإنوثة والفرق بينهما، كما يتعلم ما يطلب من نوعه، ويدرك توقعاته هو من النوع الآخر، فغالباً ما يكون الغرض من النمذجة في طور الطفولة، هو تدعيم المعايير المرتبطة بأدوار السلوك، وتثبيت المعتقدات العامة المشتركة التي تؤكد السلوك المناسب للولد أو البنت، خاصة وأن التنشئة الاجتماعية في عمومها ما هي إلا عملية إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية، ولذا فإن توافق سلوك الطفل مع معايير ودور نوعه، يساعد على التنبؤ بسلوكه في طور الرشد، ونقصد بسلوك الدور، أن يتعلم الطفل كيف يؤدي الدور المرتبط بنوعه، وإن كان مفهوم سلوك دور الطفل مفهوم عام وغامض وله أكثر من معنى، فيقصد به المكانة والعلاقات وكيفية اكتساب الدور، وكيفية التفاعل مع الآخرين، أو يدل على الفرق بين سلوك الذكر وسلوك الأنثى وقدرات وتفضيلات كل نوع.

 

الخلاصة

 

إن ما تتعرض له المرأة  خلال حياتها من عملية نمذجة وقولبة جسدية وذهنية ونفسية، هو الذي يقوم بتهيئتها للدور الاجتماعي الذي يعدها له المجتمع، وهذا ما أكدته الفيلسوفة الفرنسية المعروفة بأفكارها النسوية سيمون دو بوفوار “الإنسان لا يولد امرأة بل يصبح ذلك لاحقاً” أي أن كيان المرأة البيولوجي إلى جانب كيانها العاطفي والنفسي والاجتماعي  يخضع لعملية “نمذجة” وهي التي تكسبها الهوية التي يعرفها بها المجتمع كإمراة.

“تؤثر العوامل البيولوجية والتجارب الحياتية بما فيها

التاريخ الأسري وسوء المعاملة على الصحة البشرية”

هبة موسى