المهاجرون.. خزائن مال تمشي على قدمين

كتابة :
محمود عبد اللطيف

هجرة “ميسرة” التي بدأت من مدينة الحسكة نحو ألمانيا في عام 2016 لم تكن سهلة، بحسب ميسرة فالمهربون كانوا يتعاملون مع الراغبين بالوصول لأوروبا على أنهم بضاعة، وكان ثمة مخاوف حقيقية من احتمال أن يجنح المهرب نحو الإخلال بالاتفاق ويتخلى عن محاولي الهجرة قرب أي حدود برّية يصادفها، أو يقوم بالمغامرة بهم في رحلة بحرية غير مضمونة.

يشرح الشاب الذي يبلغ من العمر 40 عاماً في حديثه لـ “مَوج”، قائلاً: “وصلت إلى مدينة اسطنبول وقد انفقت جزءاً كبيراً من مدخراتي، وكانت رحلة العبور بحراً نحو اليونان تحتاج لمبلغ يفوق ما تبقى معي، لم يصدق كل المهربين الذين تواصلت معهم أنني لا أملك المبالغ التي يطلبونها، الكل كان ينظر إلينا على أننا الأثرياء الذين قرروا السفر لأوروبا، بما في ذلك من يعرفنا بشكل شخصي من السوريين المقيمين في تركيا، ولأن السفر نحو ألمانيا هو من دفعني للمغادرة كان لابد لي من العمل في مهن متعددة بغية جمع المبلغ الذي يطلبه المهربون لأتمكن من السفر، وبقيت عالقاً في اسطنبول قرابة الثلاثة أشهر”.

 

أكبر من الفاجعة

 

غرق قارب للمهاجرين قبالة السواحل السورية نهاية شهر أيلول الماضي ، وتابعنا ردود أفعال مستغربة من  أشخاص كثر على مواقع التواصل الاجتماعي.

حجم الفاجعة التي تمثلت بوفاة ما يقارب 120 شخصاً، لم يكن مانعاً لخطاب الكراهية تجاه الضحايا خاصة بعد انتشار معلومات عن التكلفة الباهظة  لرحلة التهريب القاتلة، والتي قال البعض أنها تقارب ال15 ألف دولاراً أمريكياً. 

يقول عبد الإله المحمد خلال حديثه لـ “مَوج”: “حين قررت السفر إلى هولندا قبل بضع سنوات، بعت سيارتي التي اشتريتها قبل عام 2011، وساعدتني أمي بتأمين تكاليف بقية الرحلة من خلال بيع مصاغ ذهبي، لا يوجد الكثير من السوريين الأثرياء في دول اللجوء، غالبية الأثرياء يعيشون بإقامات دائمة في دول قبلت بهم مثل مصر وتركيا، وهم يستثمرون أموالهم هناك، اللجوء للفقراء فقط”.

يضيف الشاب الذي بلغ من العمر 43 عاماً بقوله: “ثلاثة من أقاربي اجتازوا المضائق التركية سباحة نحو اليونان لأن المهربين تعاملوا معهم بنوع من الاستغلال، الكل كان يطلب منهم مبالغ طائلة مقابل ركوب “بالم”، مع عدد غير معروف من الأشخاص، هي مغامرة لمن لا يجيد السباحة وتمرس بها، فالمسافة بين البر التركي ونظيره اليوناني ليست كبيرة على من يجد السباحة بشكل ممتاز، وحين وصل أقاربي اعتبروا أنهم نجوا من محاولات الاستغلال”.

 

تقول ياسمين (اسم مستعار): “لا أقبل بفكرة أن هناك من يقوم بتأمين مصاريف السفر، غالباً فإن المهاجرين ممن يمتلكون القدرة على مواجهة الظروف الاقتصادية من خلال أعمالهم التي أمنت مصاريف السفر، قد تكون أعمالاً غير مشروعة، وقد تكون مبنية على استغلال الأزمات التي تمر بها البلاد، فكيف لشاب يعمل ضمن مهنة اعتيادية وينتمي للطبقة المتوسطة أو الفقيرة أن يؤمن مبالغ تصل قيمتها بالليرة السورية إلى 50 أو 60 مليون، وأي جهل ذاك الذي يدفع أحد ما لبيع عقار في سوريا مقابل رحلة لجوء غير مضمونة”.

تضيف الشابة التي اقتربت من دخول العقد الثالث من عمرها: “كل من يسافر نحو أوروبا ضمن رحلات التهريب هم من الأثرياء، ولا يحق لهم الحديث عن محاولة الهرب من الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة لسورية، وذلك لكونهم كانوا قادرين على مواجهتها قبل السفر وبالتالي لم يشعروا اساساً بالأزمة إلا بقدر ما زادت من  قدراتهم المالية”.

 

خزائن مال..

 

يقول وسام الذي يعيش في بلجيكا حالياً خلال حديثه لـ “مًوج”” “أتجنب الحديث مع أي صديق في سورية، أتجاهل الرسائل التي تردني على “ماسنجر”، وأبرر الأمر لمن يتمكن من التواصل معي عبر “واتس آب”، أنني حذفت التطبيق ولا أتمكن من فتح الرسائل، وسبب تجنبي لهذا التواصل لا يُبنى على كراهية للظرف الذي عشته قبل سفري، وإنما ناتج لعجزي عن تلبية ما قد يُطلب مني من مساعدة، حقيقةً نعيش في أوروبا وفقاً لإمكانيات محدودة بالنسبة لأشخاص لم يزل كل منهم يعاني من مشاكل في الاندماج المجتمعي والمهني، ولأن الجميع يعتبر أن بإمكاننا المساعدة بشكل دوري فإن رفضنا قد يفضي بنا لمواجهة جمل قاسية مثل “أوروبا غيرتك”، أو “نسيت أصلك والخبز والملح”، وهناك من يعتبر أن إمكانية المساعدة متاحة ونحن نبخل بها، فنسمع مثلاً جمل تقول “شو بتعمل الـ 100 دولار بالنسبة إلك”، وحقيقة هي تساوي الكثير من دخل قد يكون غير قادر على تلبية احتياجات أسرة متوسطة العدد تعيش في دولة أوروبية”.

وتقول منار (اسم مستعار)، خلال حديثها لـ “مَوج”: ” بعد وصولي للسويد بحوالي خمسة أشهر، بدأت أتلقى طلبات المساعدة من أقارب لم أكن أتواصل معهم في سورية، وبلغني أن إحدى اللواتي اعتذرت لهن عن المساعدة لعجزي الفعلي عنها، أطلقت شائعات متعددة عني في سورية، منها أني أعيش مع صديق لي مساكنة في السويد، وأني لم أعد أرد على اتصالات والدي، وأنني نزعت الحجاب لأن شريكي في المنزل من ديانة أخرى، علماً أنني أساساً أسكن في منزل صغير بالقرب من إحدى قريباتي المباشرات”.

تضيف منار التي تبلغ 26 عاماً من عمرها وتعمل حالياً كمدرسة للغة العربية في السويد: “التوصيف الدقيق لنا من قبل الناس في سورية، هو  أننا حقائب المال التي تمشي على قدمين، الكل يعتبر أننا بتنا نمتلك أموالاً طائلة واكتسبنا مع هذا المال عادات أوروبية تقوم على البخل أولاً، ولا أدري من قال للسوريين أن السكان الأوروبيين بخلاء أساساً، أو من اقنعهم بأننا هنا نعيش انفتاحاً في العلاقات الجنسية أو من روج لفكرة أن المال يُقطف من الأشجار في أوروبا”.

الفاجعة التي تمثلت بوفاة 120 شخصاً،

لم تكن مانعة لخطاب الكراهية تجاه الضحايا

محمود عبد اللطيف