المشاهير وخطاب الكراهية

كتابة :
عمار البري

لا شكَّ أن العصر الذي نعيشه اليوم يجعلنا عرضة وبشكل يومي للكثير من القصص والأخبار المتعلقة بالنجوم والمشاهير و”الفاشونيستات” من خلال الواقع الافتراضي، أخبار وقصص تفرض علينا نفسها شئنا أم أبينا، من خلال انتشارها على مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت رفيقة الصباح والتي نبدأ بها يومنا، وصديقة المساء نتفقدها قبل الخلود إلى النوم.

يفرض علينا هذا ولأسباب عديدة لها علاقة بالعمل أو الفضول، قضاء ساعات كثيرة في التصفح عبر الانترنت لرؤية ما ينشره المشاهير على حساباتهم الفيسبوكية أو الانستغرامية أو عبر مساحة التغريدات الصغيرة تويتر أو على تطبيق الفلاتر سناب شات، وغيرها من التطبيقات التكنولوجية الحديثة، لاسيّما من يمتلك منهم عدد متابعين أكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فستكون ضريبته أكبر في توجه الأنظار إليه ومتابعتها على مدار الساعة.

مواقع التواصل… إيجابيات وسلبيات

وهذا الواقع الافتراضي يمتلك جوانب عديدة منها إيجابية وسلبية، فإذا أردنا الحديث عن الجوانب الإيجابية له بالنسبة للمشاهير، فمن الطبيعي أن نتحدث عنها كوسيلة للتواصل مع محبيه (الفانز) وجمهوره، وعن قوة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنبر لبث الأفكار التي يراها صاحبها بأنها تستحق النشر ومناقشة القضايا التي تمس النجم أو الشخص المشهور، بل واعتبارها مساحة فكرية وبصرية تعبر عن شخصية صاحبها وما يدور في عقله وقلبه أحياناً، بالإضافة كونها مساحة للنشر والتعبير، فهي أيضاً مكان لترويج أعمال النجم ونشر إنجازاته وجوائزه، وقد تصبح بوقت مصدر لربح ودخل مادي وطريقة لترويج منتجات العلامات التجارية للشركات الكبرى.

لكن وفي سياق متصل، فإن الإضاءة على سلبيات هذا الموضوع بالنسبة للأشخاص العاديين، فمن وجهة نظري كوني أعمل في مجال الإعلام، فإن أبرز ما يواجه الشخص الذي يمتلك عدد كبير من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وينشط عبر حساباته وينشر تفاصيل حياته اليومية، قد يكون محطّ نقد وسخرية وتنمر وكلمات جارحة، ودون مراعاة للمشاعر والأحاسيس تحت عنوان كبير ومتشعب بجوانبه وتأثيراته وهو “خطاب الكراهية”، فما بالكم إذا تمت ممارسته على النجوم والمشاهير الذين يعيشون حياتهم  تحت الأضواء بسبب طبيعة مهنتهم وأجواء عملهم ودخول “السوشل ميديا” في أبسط تفاصيلها.

 

مظاهر خطاب الكراهية و”فانز” المشاهير

في الواقع لا أريد التعرض في هذا المقال لمعاناة البعض من التنمر، بل أريد الحديث عن بعض مظاهر”خطاب الكراهية” الذي يُمارس على النجوم والمشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي. فهل أصبحت التعليقات والانتقادات السلبية غير مهمة بالنسبة للمشاهير؟، أم هو مجرد كلام فارغ “صف حكي” وجوده يساهم في انتشار النجم ويزيد شعبيته؟ أم هو عبارة عن خطاب  يستهدف سمعة النجم وموهبته؟ ولربما يكون بقصد أو ناتج عن جهل وعدم معرفة.

أسئلة كثيرة تدور في بالنا عند سماع هذه الكلمات، إذاً ما هي خفايا “خطاب الكراهية” ولماذا يتم ممارسته على النجوم؟

من وجهة نظري إنّ خطاب الكراهية الذي يُمارس على العاملين تحت الأضواء: هو كل ردة فعل افتراضية تتجسد في “حُكم” وربما دون معرفة سابقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتقنيات الإعلام الحديث، نقوم بها تجاه شخص يعتبر من فئة النجوم والمشاهير، باعتبار أن ذلك هو ضريبة نجاحه وتواجده في الوسط الفني، بالإضافة لقيام الجمهور ووسائل الإعلام  بمحاسبته بجميع أشكال الرد الافتراضي من خلال نشر أي محتوى سواءً كان مكتوباً، مسموعاً، مرئياً أو  من خلال “الوسائط المتعددة”.

يعتقد البعض من الجمهور أن المشاعر والأحاسيس وما يتعلق بالجانب النفسي للنجوم والمشاهير جانب غير مُفعّل ومعدوم كلياً، والتعليقات والانتقادات السلبية غير مهمة بالنسبة لهم وغير مرئيّة في كثير من الأحيان، لكن من وجهة نظري كإنسان يعمل في مجال الصحافة الفنيّة لسنوات، فهذا الجانب هو الأكثر تأثيراً على أصحابه “النجوم والمشاهير”، وهو ما يفرض عليهم مزاج معين في التعامل مع محيطهم والوسط الذي يتفاعلون معه.

حتى الإعلاميون..

وهنا علينا أن نطرح هذا السؤال: هل الجمهور هو المسؤول الوحيد عن هذا الأمر؟

بالطبع لا، فهنالك مسؤولية كبيرة تقع  على وسائل الإعلام والمؤسسات الصحفية المتواجدة في الساحة اليوم، على الرغم من أنني أنتمي إلى هذا الوسط إلا أنه يوجد ممارسة كبيرة لخطاب الكراهية من قبل بعض العاملين في الوسط الصحفي والإعلامي من خلال مواد مكتوبة، مسموعة، مرئية، خاصة على الصفحات والمنصات الإلكترونية.

ثمة مشكلة أخرى هي عدم معرفة بعض العاملين في المجال الصحفي والإعلامي، وهنا أقول “بعض” لأن “كل تعميم خاطئ”، لا يعلمون أنهم يمارسون من خلال موادهم خطاب الكراهية على النجم أو الشخص المشهور، فالهدف الأساس السعي لكسب المزيد من الإعجابات والمشاهدات التي تتجسد في أرقام إلكترونية ترفع من نسبة وصول المادة الإعلامية إلى قائمة “الترند” في عصر الإعلام الرقمي الإلكتروني.

نشرت النجمة X صورة لها عبر حسابها الرسمي على موقع الإنستغرام معلنة طلاقها من زوجها Z، أرادت عبر منبرها الخاص مشاركة جمهورها “الفانز” هذا الخبر وهذا حقها الطبيعي، وما هي إلا ساعات قليلة، قامت بعض وسائل الإعلام الإلكترونية والوسائل الإعلامية التقليدية التي تمتلك حسابات تابعة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر الصورة ذاتها مع عناوين أخرى لافتة للانتباه: “النجمة X تعلن طلاقها من Z والسبب الخيانة”، أو “شاهد النجمة X تعلن طلاقها من Z والأسباب فاضحة”!

بعدها بدأ جمهور السوشال ميديا بمختلف فئاته، وخلفياته الاجتماعية والثقافية بتحليل أسباب الطلاق وافتراض قصص لا وجود لها مع كمّ من التعليقات السلبية دون تفكير أو مراعاة لمشاعر النجمة أو لمشاعر زوجها، بالإضافة إلى المقارنات بينهما، وكأن الجميع كانوا شهوداً على طاولة زواجهم! فإذا وجّه خطاب كراهية مرة عبر حساب النجم ومرة أخرى نشر الخبر  على صفحة ما، ماذا يحدث إذا نشر الخبر على أكثر من عشر صفحات مثلاً؟

ستتزايد التعليقات، وتكثر الانتقادات والتحليلات وتنتشر الشائعات والمعلومات الصحيحة وغير الصحيحة أكثر، فيجد النجم نفسه في دوامة كبيرة من خطاب الكراهية…..!

هذا المقال ليس دفاعاً عن النجوم والمشاهير بحد ذاتهم، إنما دفاعاً عن الأفراد بمختلف مهنهم وتنوع خلفياتهم الثقافية والاجتماعية، والحرص على عدم تعرضهم لخطاب الكراهية لأن ذلك  ينافي حق كل شخص في الحياة بحرية بعيداً عن التدخل في خياراته وحياته الخاصة.

في الواقع اخترت فئة النجوم والمشاهير كمثال فقط يبين أثر خطاب الكراهية على حياتهم وحريتهم كونها لم تعد ملكاً لهم فقط، فالأضواء التي صنعت منهم نجوماً جعلت منهم محط متابعة واهتمام من قبل جمهورهم خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

بالطبع هنالك الكثير من النساء والرجال الذين يتعرضون لخطاب الكراهية في حياتهم اليومية، وفي مكان عملهم، وعلاقاتهم الشخصية دون أن يدري أحد بتأثير ذلك على صحتهم  النفسيّة  وعلى حياتهم المستقبلية.

 ما المطلوب؟

 

إن أفضل طريقة لتخفيف مظاهر “خطاب الكراهية” الموجه ضد الأشخاص النظر إليهم بعين الإنسانية وحقهم في الحياة بحرية كما يرغبون.

إنها دعوة لكل شخص يقرأ هذا المقال، ولديه منبر خاص على “السوشال ميديا” أن يراقب نفسه، ويتعهد أن يكون خطابه وتعليقاته تظهر التفكير الإيجابي في شخصيته مظهراً الصفات الجيدة فيها عندما يريد التعبير عن رأيه الخاص بعيداً عن الغضب أو التهكم والسخرية الجارحة من موقف هنا أو رأي هناك لم ينل إعجابه، لتصبح مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت “مساحة آمنة ” للتعبير وملك للجميع .

“خطاب الكراهية هو كل ردة فعل

افتراضية تتجسد في “حُكم” “

عمار البري