إما الصحافة أو الأمومة

كتابة :
ناديا سوقية

“حبيسة إما” ربما لو أطلق على الصحفيات الأمهات هذا اللقب لنالهن من الإنصاف شيء، فأية صحفية تتزوج وتنجب يصبح مستقبلها المهني على المحك.
تتأرجح غالبية النساء عموماً والصحفيات خصوصاً بين هذين الخيارين ، وتلاحقهن هذه الأحجية منذ  الدخول كلية الإعلام، و تشاع  فكرة عدم الارتباط على  أكثر المختارات لهذا الفرع الجامعي،  والمتغلبات على الشائعات،كما يُربط مستقبلها المهني عكساً بمصير خاتم خطوبتها، أما القافزة فوق ما يُحكى والمكافحة لجمع المهنة والأسرة فتصطدم بترجيح كفة على الأخرى وأحياناً بتصديق كوابيس مقاعد الدراسة ونبوءات المتخرجات السابقات بغياب احترام حقوقهن كنساء في سوق العمل. 

 

اجت الحزينة لتفرح..

 

اختارت هناء (اسم مستعار)، مهنة الصحافة، شغفاً بها، وبعد تخرجها بأربعة أعوام حُظيت بفرصة عمل عن بعد، لكنها جاءت تزامناً مع حملها بالطفل الثاني، فعاشت معاناة أي صحفي/ة غير محظوظ/ة بالخدمات من رحلة البحث عن كهرباء لتشحن الحاسب، إلى انقطاع الإنترنت أو بطئه، والعمل لوقت إضافي، تنسيق الاتصالات والاجتماعات الرقمية ،آنية الأخبار والمعلومات الحصرية وأيضاً البحث عن الجِدّة، كل ذلك بوجود طفل بمتطلباته النفسية والجسدية، إلا أنها تركت عملها بعد الولادة لأن فترة الأمومة المخصصة في المؤسسة التي تعمل بها قصيرة لا تحقق الراحة لها ولا لطفلتها.
ليُضاف تحدي الأمومة إلى جدول تحديات الصحفيات بعد فرق الأجر الجندري. 

وهناء ليست الصحفية الوحيدة التي تختار طفلتها وتترك عملها،  مثلها زميلتها شذى يوسف صحفية سابقة في تلفزيون الخبر، أوقفت عملها لتهتم بطفلتها وتعيش معها بكل تفاصيل نموها.
تقول شذى: “أوقفت عملي بدايةً لإصابتي باكتئاب ما بعد الولادة وعندما عدت للعمل وجدت أن المسؤوليات زادت على عاتقي ولم أستطع التوفيق بين عملي وابنتي” 
وتضيف شذى: “صار الهم أكبر من نتائج العمل الصحفي مثل الكتابة عن الفساد  مثلاً لا يوجد لدينا كصحفيين قانون يحمينا”.

 

الحلول الممكنة!

 

وتجد لمى علي، صحفية ورئيسة تحرير مجلة الرقمي الصغير، أن المرأة العاملة عامةً والصحفية خاصةً التي يمتاز عملها باللقاءات الكثيرة وساعات العمل الإضافية تعاني من نظرة المجتمع المنتقصة من أمومتها خصوصاً أنها تضطر لترك أطفالها ساعات طويلة.
ومن هذا المنطلق تقترح  الصحفية  المنتسبة إلى اتحاد الصحفيين،  ضرورةَ إنشاء دور حضانة  للصحفيات العاملات ومساعدتهن بتأمين أطفالهن، لإعفائهن من دفع مبالغ كبيرة للروضات الخاصة من جهة والتغلب على التعب النفسي نتيجة غيابهن عن أطفالهن من جهة أخرى.
وهو ما تتفق معه لينا ديوب، صحفية في جريدة الثورة المحلية، التي قالت: “يمكن لاتحاد الصحفيين أن يعامل المنتسبين  من الصحفيين والصحفيات بمنظور جندري كأن يقدم مجموعة خدمات للأمهات، منها توفير مكان وجليس للأطفال بأجر رمزي، لأن الصحفية قد تضطر للخروج بعد الظهر من البيت لمتابعة قضية ما، أو تحتاج للسفر، وهذا يعني حاجتها لشخص آمن أو مكان آمن لتترك أبناءها عندهم مع تأمين الاحتياجات”

وتقترح ديوب على اتحاد الصحفيين أيضاً رفع تعويض الولادة وعدم اشتراط دفعه بفترة زمنية محددة تلي الولادة كما يحدث حالياً على حد قولها.
وتحبذ عدم ربط الأمومة بتقدم الأم الصحفية، “فلا تعمل بإدارة العمل الإعلامي بذريعة انشغالها بدورها الإنجابي في البيت”.
تقول ديوب أنها اضطرت لمرات كثيرة أن تترك متابعة أعمالها رغم أهميتها لتبقى مع أطفالها وخاصةً في فترة بعد الظهر، بحسب قولها.
وترى أن الأم الصحفية تحتاج أكثر من غيرها من الأمهات العاملات، إلى تنظيم وقتها، لتستطيع متابعة عملها، الذي لا يقف عند كتابة المادة الصحفية، وإنما يمتد قبلها للحصول على معلومات وشهادات من أكثر من مصدر، بالإضافة إلى كونها تحتاج للوقت داخل البيت وخارجه وهو ما اتفقت عليه كل الصحفيات التي التقت معهن مَوج. 

 

دعم ولكن!

 

تُثمن مارين الشيخ علي، مذيعة ومقدمة برامج في قناة العالم سورية، وجود الأهل والعائلة الداعمة معتبرة إياها سند يحقق التوازن بين عمل الصحفية وأمومتها، وهو ما اتفقت معه لمى علي وهناء التي اعتبرت الزوج الواعي والمؤمن بزوجته ودوافعها الاجتماعية للعمل سيحافظ على توازن البيت ويخفف الأعباء النفسية ويبعد شعور الملامة وجلد الذات عن زوجته الصحفية.

وتقول مارين أن أصعب اللحظات على الصحفية الأم هي لحظة الاختيار بين حاجتها لعملها ومرافقة أولادها، حتى لو كانت دوافعها للعمل الحاجة المادية والاجتماعية كتحقيق الذات.

وتطلب الشيخ علي من اتحاد الصحفيين المساعدة لتحقيق الأمان الوظيفي للصحفيات الأمهات، وتسهيل سير عمليتي العمل الصحفي وتربية الأطفال.

ورغم أن ترك الأمهات العاملات أعمالهن لأجل الأسرة يشبه “الظاهرة” لاعتياد المجتمع الشرقي عليها من غير السؤال عن الأسباب، إلا أن إيقاف الصحفيات منهن لأعمالهن أو إقصائهن سواء المباشر أو غير المباشر أي بسحب المهمات والصلاحيات والتوجيه نحو المنزل يُسبب من مدافعين عن حقوق المرأة ومطالبين باحترام الأمومة ومشجعين على تحقيق الذات.

وإذا كان الانقطاع عن العمل هو خيار الصحفية، فهو يحتاج لدعم معنوي وحفاظ على خط العودة للعمل واحتضان من قبل المؤسسات، لأن هذا الخيار هو نتيجة للموروث الثقافي ثم التأثير النفسي وتبعاته، وغياب الدعم من المؤسسات ومن اتحاد الصحفيين ثم من أقرب حلقة من الصحفية نفسها، التي تسأل في معاناتها عما يقدمه اتحاد الصحفيين للصحفية الأم في ميدان عملها؟ 

وتتساءل الصحفيات حول إذا كان العمل الإعلامي صعباً فقط على الأمهات فلما لا تُستثنى بالخط العريض من المؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة الصحفيات الأمهات وخصوصاً حديثات الأمومة؟ وهل سيأتي إلى هذي البلاد يوماً ونسمع بتحركاتٍ جدية لأجل الصحفيات؟

“أية صحفية تتزوج يصبح مستقبلها

المهني على المحك”

ناديا سوقية