أطفال/طفلات يدفعون الثمن

كتابة :
رنيم غسان خلوف

التخلي عن حديثي/حديثات الولادة في سوريا

 

حصل سعيد (اسم مستعار بناء على طلبه الشخصي) على حق إلحاق طفل حديث الولادة من دار رعاية بدمشق في 2022. بعد زواج استمر عشر سنوات، وبعد عدة عمليات طبية غير ناجحة لإنجاب طفل، قررت العائلة رعاية أحد الأطفال، وعندما علم بحادثة العثور على رضيع بعمر ساعات في إحدى مناطق ريف دمشق، ذهب الزوج إلى مختار المنطقة فوراً.

يستعيد سعيد في ذاكرته اللحظات الأولى لمشاهدة الطفل أمامه في لقاء مع موج “حينما حملته بين يدي تعلق قلبي به بشكل لا يصدق حتى إني بكيت”. سلم المختار الطفل إلى دار (لحن الحياة) بدمشق، ذهب سعيد إلى هناك بعدها متفاجئاً بـ”قائمة دور “لكثرة طلبات رعاية الأطفال”.

يكمل سعيد قوله ” قابلنا الموظفة، وبدأت تسألنا عن مؤهلاتنا وطلبت أوراق رسمية منها تقرير طبي يثبت حالة العقم، ولا حكم عليه لي ولزوجتي وسند إقامة، وبيان عائلي، وبيان زواج وطوابع وتقرير طبي خالٍ من الأمراض السارية”. بعد تسليم الأوراق المطلوبة، قابلت الموظفة في الدار سعيد وزوجته مرة أخرى لأكثر من ساعة، وسألتهم أسئلة خاصة وأخرى روتينية واجتماعية متعددة؛ من قبيل: ماذا تحب أن تأكل الزوجة؟ ما عمل رب الأسرة وكم دخله الشهري؟

بعد حصول سعيد على موافقة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل على عقد الإلحاق، أحضر الطفل إلى منزله.

وبحسب الاتفاق تجري الدار زيارة دورية لتفقد الطفل كل 4 أشهر. ويكمل سعيد حديثه “علمت أني أستطيع الذهاب إلى دائرة الأحوال المدنية (النفوس)، ويحصل على كنيتي فقط من دون اسمي أو اسم الزوجة لأن الشرع يحرم ذلك ويمنع الميراث في هذه الحالة”.

لا يسمح القانون السوري، بفكرة التبني وفق مبادئ مستمدة من الشريعة الإسلامية، لكنه أتاح فكرة “عقد الإلحاق”. وهنا تؤكد المحامية اعتدال محسن أن الأسرة طالبة الإلحاق تتكفل بالطفل ورعايته وتربيته وتعليمه، لكن لا يعطيه ذلك أي حق من حقوق أبنائها كالميراث والنسب.

وتناولت المادة 29 من قانون الأحوال المدنية إجراءات تسجيل الطفل في السجل المدني، على أن يعتبر سورياً ومسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك، تقول محسن “غالباً ما يكون دين الطفل الإسلام، وخاصة إذا وجد بجوار مسجد، أما في حال كان ملقىً أمام الكنيسة فالغالب أن عائلته مسيحية، ويستنتج الموضوع في حال كان هناك دلائل مثل أوراق أو إشارات دينية وغير ذلك”.

يعرف المرسوم التشريعي رقم 107 الصادر في 4 أيار 1970، “اللقيط” في المادة الأولى منه، بأنه “الولید الذي يعثر علیه ولم یعرف والداه”.

ووقعت سورية على اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، لكنها تحفظت على المادة 14 المتعلقة بحرية الطفل الدينية والمادتين 2 و21 لعدم توافقها مع القوانين المحلية المتعلقة بالتبني، وتعارضهما مع أحكام الشريعة الإسلامية كما ذُكر في نص التحفظ.

وحول الفرق بين معنى لقيط ومجهول النسب، توضح المحامية اعتدال محسن، أن قانون الأحوال المدنية الجديد عدّ اللقيط من يعثر عليه ولم يعرف والداه، أما مجهول النسب فهو من لا يوجد مكلف برعايته، وهنا يفترض أن والديه معروفان.

 

مجهولو النسب في القوانين السورية

 

تناول قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 وتعديلاته اللاحقة مجهول النسب بشكل مقتضب في المادتين 29 و28 وتعليماتهما التنفيذية.

المادة (28) بعد التعديل الأخير بالمرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2022:

أ-لا يجوز تسجيل مولود من زواج غير مسجل، إلا بعد تسجيل الزواج أصولاً.

ب-إذا كـان الـمـولـود غيـر شرعـي، لا يذكر اسـم الأب أو الأم أو كليهمـا معـاً فـي سجـل الـولادة إلا بحكم قضائي.

ج-إذا ثبت بوثائق رسمية بنوة المولود غير الشرعي لوالدته يسجل في سجل الولادة مباشرة.

وسمح القانون في المادة (29)، بمنح كنية رب الأسرة للطفل.

 -يجوز منح مجهول النسب، نسبة الأسرة الحاضنة، بناء على طلب خطي من رب الأسرة، وموافقة مجهول النسب الذي تجاوز الثامنة عشرة من عمره، وتصحح نسبته في المسكن الخاص به تبعاً لذلك.

لكن تعليمات المادة المذكورة آنفاً أكدت على حرمان التبني شرعاً:

-لا يجوز تصحيح اسم والد مجهول النسب إلى اسم رب الأسرة الحاضنة باعتبار أن التبني محرم شرعاً.

يتوافق قانون الأحوال الشخصية رقم 4 لعام 2019 مع أحكام الشريعة الإسلامية على حرمة التبني؛ إذ تنص المادة 128 من القانون على أن النسب يثبت بالزواج أو بالإقرار أو بالبينة.

المادة /128/:

1/يثبت النسب بالزواج أو بالإقرار أو بالبينة.

وتناولت المادة 29 من قانون الأحوال المدنية إجراءات تسجيل الطفل في السجل المدني، على أن يعتبر سورياً ومسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك، تقول محسن “غالباً ما يكون دين الطفل الإسلام وخاصة إذا وجد بجوار مسجد، أما في حال كان ملقياً أمام الكنيسة فالغالب أن عائلته مسيحية، ويستنتج الموضوع في حال كان هناك دلائل مثل أوراق أو إشارات دينية وغير ذلك”.

وينص المرسوم التشريعي رقم (2) لعام 2023 المتعلق بتنظيم شؤون الطفل مجهول النسب ورعايته، المادة 19، الفقر ج، على “تسجيل الطفل مجهول النسب وفق قانون الأحوال المدنية”.


في كانون الثاني 2022 ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور طفلة حديثة الولادة (لين) بعد رميها في أحد شوارع حلب، وأكد مدير (المشفى الجامعي) في المدينة الدكتور ماهر أعرج لجريدة (البعث) المحلية أن “الطفلة وجدت بجانب سيارة مركونة، ودخلت إلى المشفى بتاريخ 16 تشرين الأول الفائت(2021) بعمر ساعات. وأوضح أن “الأذية والتهشم في الأنف، حاصل نتيجة تعرضها لنهش من قوارض أو قطط غالباً، وأجريت عمليات إسعافية لها”.

 

عقوبات في القانون

 

توضح المحامية اعتدال محسن لـ(موج) أنه لا يوجد عقوبة محددة لمن يسيب طفلاً، وهناك مجموعة عوامل ينظر فيها القاضي لتحديدها، حيث يعاقب الشخص الذي سيب الطفل من 3 أشهر إلى سنة حتى لو لم يقصد الأذى له، أما إذا طرح الطفل في مكان مقفر مثل غابة أو مكان لا يوجد فيه أحد، تشدد العقوبة بحسب المادة 188 و190 المتعلقتين بالقصد بالنتيجة الجرمية أو عدم القصد بالنتيجة الجرمية، وتحدد العقوبة هنا حسب الجريمة بحق الطفل، فإذا تسبب بوفاته أو تسبب بإذائه أو إحداث عاهة مستديمة، فنرجع إلى المواد التي تتحدث عن العقوبة في كل حالة.

وتنوه محسن إلى أنه إذا تتضمن الفعل العادي الظروف المشددة تشدد العقوبة خاصة في حال كان مرتكب الجرم أحد الأصول أو المسؤولين عن حراسة الشخص أو مراقبته، ورغب بالتنصل من مسؤوليته، بحسب المادة 247.

بينما تفرق المحامية لمى الجمل بين جريمة الطرح والتسيب سواء في مكان مقفر أو غير مقفر، لكنها هذه الأحكام لا تطبق على الأم إذا فعلت ذلك “صيانة لشرفها” إلا في حال قتلته فتطبق عليها المادة 537.

 

مواد قانون العقوبات:

 

  • المادة 188:
    تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة.
  • المادة 190:
  • تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها.
  • المادة 247:
  • إذا لم يعين القانون مفعول سبب مشدد، أوجب السبب المذكور تشديد العقوبة على الوجه التالي:يبدل الإعدام من الأشغال الشاقة المؤبدة وتزداد كل عقوبة مؤقتة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة.
  • المادة 484:
  • من طرح أو سيب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر عاجز عن حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.إذا طرح الولد أو العاجز أو سيب في مكان قفر كان العقاب من سنة إلى ثلاث سنوات.
  • المادة 485:
  • إذا سببت الجريمة للمجني عليه مرضاً أو أذى أو أفضت به إلى الموت أوخذ (حوسب) بها المجرم وفقًا لأحكام المادة 190 في حالة الطرح والتسييب في مكان غير مقفر إذا لم يكن قد توقع تلك النتيجة، أو اعتقد أن بإمكانه اجتنابها. وأوخذ بها وفاقاً لأحكام المادة 188 في حالة الطرح أو التسييب في مكان مقفر كلما توقع النتيجة وقبل بالمخاطر.
  • المادة 486:
  • إذا كان المجرم أحد أصول الولد أو العاجز أو أحد الأشخاص المولين حراسته أو مراقبته أو معالجته أو تربيته شددت العقوبة على نحو ما نصت عليه المادة 247.لا يطبق هذا النص على الوالدة التي أقدمت محرضة أو فاعلة أو متدخلة على طرح مولودها أو تسيبه صيانة لشرفها.
  • المادة 487:
  • إن الأب أو الأم اللذان يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي او ولداً تبنياه، سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما أو أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه، يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.
  • المادة 537:
  • تعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات الوالدة التي تقدم اتقاء للعار على قتل وليدها التي حبلت به سفاحاً.ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا وقع الفعل عمداً.

 

أسباب اخلاقية واقتصادية!

 

ترجع د.سمر علي أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق في حديث مع موج أسباب التخلي لمجموعة عوامل أبرزها غياب الوازع الأخلاقي والديني الذي يجعل الوالدين يتخلون عن أبنائهم. وتشدد د.علي على ضرورة الانتباه للحالة النفسية والعقلية للأفراد في ظل ظروف مادية صعبة إلى جانب العوامل التربوية والتنشئة الأسرية. وقد يكون أن الطفل ناتج عن علاقات غير شرعية سبباً للتخلي عنه.

وتعتقد د.علي أن الجانب الأخلاقي هو العامل الأبرز “حتى لو بررنا هذا التصرف بعدم القدرة المادية على رعاية الطفل أو الخوف من الوصمة الاجتماعية في العلاقات خارج إطار الزواج كان بالإمكان وضعه في مكان لا يتعرض فيه لمخاطر”.

وتتابع أن “الخوف من الوصمة الاجتماعية في العلاقات خارج إطار الزواج “لا تبرر رمي الطفل، إذ من الممكن وضعه (الطفل) في مكان لا يتعرض فيه لمخاطر”.

وتوضح د.علي أن نتائج التسيب على الطفل حديث الولادة الذي يتخلى عنه ذويه تبدأ منذ ولادته، إذ يمكن أن يتعرض للقتل بقصد أو بغير قصد، أو تشوهات أو أمراض ربما تلازمه طوال حياته.

وترى د.علي أن الطفل ينشأ بشخصية مهتزة، وسيواجه عندما يكبر مشاكل اجتماعية عند الزواج نتيجة غياب النسب، والوصمة الاجتماعية والرفض الاجتماعي المتوقع. وترجح د.علي حدوث اضطرابات أسرية بعد الزواج لدى الأطفال اللقطاء.

ولا تنكر أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق تأثير الحالة الاقتصادية التي يمر بها المجتمع السوري في الأزمة، ما يجعل نسبة العازبين/العازبات مرتفعة نظراً لارتفاع تكاليف الزواج، وانتشار البطالة، لذلك قد يتجه بعض الشباب والشابات نحو علاقات غير شرعية، ولا يخضع ذلك للتعميم، من وجهة نظر د.علي.

وصدر المرسوم التشريعي رقم (2) لعام 2023، المتعلق بتنظيم شؤون الطفل مجهول النسب ورعايته. ونصت المادة 7 من المرسوم، الفقرة أ، على إحداث “هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى “بيوت لحن الحياة” مرتبطة بوزير الشؤون الاجتماعية ومقرها ريف دمشق. فيما ذكرت الفقرة ‌ب أن “بيوت لحن الحياة الجهة المخولة قانوناً بكل ما يتعلق بالأطفال مجهولي النسب” في سوريا.


“اللقيط من يعثر عليه ولم يعرف والداه،

مجهول النسب من لا يوجد مكلف برعايته “

اعتدال محسن