هل يستطيع القانون السوري ضبط خطاب الكراهية؟

كتابة :
لودي علي

لن يعلو صوت الكراهية طويلا في هذه البلاد المتعبة.. في النهاية لابد أن يكون هناك ما يوقفه، فهل يفعلها نص قانوني جديد؟

ماذا يحمل القانون السوري في وجه خطاب الكراهية؟ هل من الممكن أن يحمل نصاً جديداً في المستقبل يقف إلى جانب المؤسسات الاجتماعية والتربوية والصحفية لمواجهة هذه الظاهرة؟


لا يحمل القانون السوري مواد مباشرة تتناول موضوع خطاب الكراهية وتعاقب عليه، يقول الأستاذ المحامي عارف الشعال: “في القانون السوري لدينا مواد تقليدية كوهن نفسية الأمة، وإضعاف الشعور القومي، وهي مواد ضبابية غير معروفة المعالم، ينتقدها حتى علماء القانون، وهذه المواد هي التي تحكم خطاب الكراهية إلى جانب النصوص المرتبطة بالقدح والذم وما شابه”

ويضيف: “أحيانا يتم التعامل مع من يمارسون خطاب كراهية إذا وضعت القضية أمام القضاء، على أنها وهن نفسية الأمة مثلا، لأنه لا يوجد قانون مخصص بهذا السياق”.


احذروا التضييق على الحريات

 

 نحن بحاجة لقانون يضبط مثل هذا النوع من الخطاب للتكيف مع الواقع الجديد، لاسيما مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي، حسب الشعال، موضحاً: “يجب أن نعرف بداية ماهي الكراهية وما المقصود بها، في الوقت نفسه يجب ألا نخلط معالجة خطاب الكراهية بحرية الرأي، وألا يكون ضبط خطاب الكراهية عبر القانون، سيتسبب بالتضييق على حريات التعبير وحريات النقد وابداء الرأي”.


نص قانوني جديد

 

في هذا السياق يرى عضو مجلس الشعب الدكتور محمد خير العكام، أنه من الممكن إضافة نص قانوني يضبط خطاب الكراهية في بعض الحالات، مثلاً عندما نصف أحد الأشخاص بأوصاف تمس كرامة الشخص يعتبر ذلك قدح وذم ويعاقب عليه القانون، أما عندما نطلق تعاميم على مجموعة من الأشخاص، فلا يوجد نص مباشر يعاقب القانون عليه هنا، ومن الممكن البحث في إمكانية إضافة مثل هكذا نص على القانون السوري.


ميثاق الشرف الصحفي

 

من الصعب على القانون وحده ضبط خطاب الكراهية المنتشر بين الناس عموماً والسوريين بشكل خاص حيث من المفترض أن يترافق مع العديد من الإجراءات الحملات التي من شأنها أن تخفف من هذا الخطاب وتظهر للرأي العام خطورته.

وهنا يرى الشعال أن النص الجزائي ليس من الضروري أن يكون قادراً على ردع ظاهرة مثل هذه بقدر ما نحن بحاجة إلى تفعيل العقوبات التأديبية وأن نبتعد في الوقت نفسه عن عقوبة السجن خاصة بالنسبة للصحفيين، وتشمل العقوبات التأديبية، المنع من النشر أو التوقيف عن النشر لفترة أو غير ذلك، كما يجب إعادة النظر بالمواثيق الصحفية بالنسبة لوسائل الإعلام، فبعضٌ من خطاب الكراهية الذي تمارسه وثائق الاعلام قد لا يجرمه القانون لكن لابد أن يتم ضبطه عبر ميثاق الشرف الصحفي وأن يسأل الصحفي المسيء مسلكياً.

ويلفت الشعال إلى نقطة مهمة وهي أن هذا الخطاب من الممكن أن يكون موجه من سوريين بالخارج وهنا من الصعب محاسبتهم قانونياً، ولكن عندما يلمس السوريين خطورة هذا الخطاب وينبذون من يقوم به أو يقوله، سيتراجع الجميع عنه.


العقوبة لاتزال من فئة الـ 500 ليرة!

 

المحامي تمام حسن يرى من وجهة نظره أن في القانون السوري نصوص تعاقب على خطاب الكراهية وهي كافية من حيث النص التشريعي مثل إثارة النعرات الطائفية والقدح والذم والتشهير في قانون العقوبات، إضافة إلى ما تضمنه قانون الجرائم المعلوماتية بشكل واضح حول الإساءة إلى الناس أو المجتمع، وما تضمنه قانون الإعلام أيضاً، إلا أن ثقافة الشكوى شبه المعدومة هي ما تقلل من وصول هذه القضايا إلى المحاكم وبالتالي تقلل فرص المعاقبة عليها.

ويختلف حسن مع الشعال إذ يجد أنه لا يمكن إضافة شيء إلى القانون حالياً، سوى تشديد العقوبات على النصوص الموجودة لأن العقوبات الحالية خفيفة جداً وقد تستبدل بالغرامات التي لا تتجاوز مئات الليرات كعقوبة القدح والذم أو التشهير مثلاً.


انعدام الطبقة الوسطى

 

من جانب آخر، يرى حسن أن هناك شق اقتصادي لابد من علاجه لتخفيف هذا النوع من الخطاب السيء، فانعدام الطبقة الوسطى في أي مجتمع تزيد من الجرائم وبالتالي تزيد من الجرائم المتعلقة بخطاب الكراهية، فالجرائم عموماً تتركز في الطبقتين الغنية والفقيرة، والحرب التي تعيشها سوريا اليوم دفعت كثيرين إلى ثقافة “ياخد حقه بايدو” أو باتت الكثير من المشكلات تحل “تبويس شوارب” لارتفاع تكاليف رفع الدعاوى خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وهذا ما يصعب مسألة ضبط الجرائم بما فيها ضبط خطاب الكراهية.


منظومة عمل متكاملة

 

وبالعودة إلى حديث الأستاذ عارف الشعال من الممكن الوصول إلى نتيجة مفادها أن سوريا اليوم تحتاج إلى  قانون يعرف خطاب الكراهية، ويترافق مع حملة توعية، فنحن لا نحتاج للعقوبات فقط إنما بحاجة لعمل مجتمعي أيضاً لتوعية السوريين بخطورة مثل هذا الخطاب، وأنه لا يمكن بناء وطن بهذه الطريقة، كما أنه لابد من الزام المدارس مثلاً بحصة ولو شهرية لشرح خطورة هذا الخطاب وتأثيره على المجتمع السوري، إضافة لتشجيع الفعاليات والمنظمات الشعبية لتوعية السوريين، أي لابد من العمل على وضع أسس ومنظومة عمل متكاملة لمكافحة هذه الظاهرة السلبية.

الأستاذ تمام حسن يوافق الشعال بإحدى هذه النقاط حيث يرى أن هذا الموضوع اجتماعي تربوي واقتصادي في جزء منه، وهو مسؤولية المؤسسات الاجتماعية والتربوية ووسائل الاعلام، ومن الممكن العمل على الجانب الاجتماعي والمواثيق الصحفية بالدرجة الأولى لضبط هذا الخطاب.


يد واحدة لا تصفق

 

في النهاية يد واحدة لا تصفق، والقانون وحده لن يستطيع كبح هذا النوع من الخطاب السيء الذي يزيد الشرخ بين السوريين بشكل يومي، العمل بحاجة إلى تكاتف المؤسسات القانونية والاجتماعية والتربوية والإعلامية لنصل إلى خطاب سليم يخفف من انقسامات السوريين بدلاً من أن يزيدها..


تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع صوت وصورة وصدى الذي تنفذه مَوج 2021

نحن بحاجة لعمل مجتمعي

لتوعية السوريين بخطورة خطاب الكراهية

عارف الشعال