نجاة أم فادي وعائلتها من الموت نحو حياة جديدة

كتابة :
حسانة سقباني

عند دخول مدرسة “حسن الملا” في حي ركن الدين شرق العاصمة السورية دمشق، لا بد من مصادفة السيدة أمينة شاكر (56 عاماً)، بجسدها الصلب ويديها المتعبتين، وهي منشغلة بأعمال التنظيف في مختلف أرجاء المدرسة. ترتدي عباءتها السوداء حزناً على ولدها فادي الذي فقدته في الحرب، لكن الابتسامة تعتلي وجهها دائماً وتبعث التفاؤل لمن حولها.

 

لم تكن الحرب رادع..!

 

بعد سنوات من الحرب والحصار في غوطة دمشق الشرقية، والتي انتهت بدمار منزل العائلة والمعمل الذي كان زوجها موظّفاً فيه، انتقلت أمينة “أم فادي” مع عائلتها لتعيش في دمشق. “خرجنا من الغوطة عام 2015 بملابسنا فقط، وكان المستقبل مجهولاً بالنسبة لنا، فلم ندرِ أين نذهب وماذا يمكننا أن نعمل”، تقول أم فادي بنبرة فيها الكثير من التعب والحزن، وتشرح بأنها لا تملك سوى الشهادة الابتدائية مما جعل مهمة إيجاد وظيفة ما، أمراً صعباً للغاية.

بعد أشهر بدأ الزوجان حياتهما من جديد بعثورهما على عمل في تنظيف وحراسة المدرسة، والإقامة فيها في الوقت ذاته، ولم يكن الأمر سهلاً حيث خسرت العائلة المكوّنة من ثمانية أفراد كل ما تملك خلال الحرب. ولم يكن العمل والإقامة الهمّ الوحيد لأم فادي، فإكمال أبنائها تعليمهم هو الأولوية بالنسبة لها خاصة مع انقطاعهم عن الدراسة لعدة أعوام وفقدانهم الأو

راق الثبوتية أثناء النزوح. مع ذلك، كانت الإرادة والحلم بمستقبل أفضل أقوى من أي ظرف كان.


لم ينتهي حلم الدراسة..

 

تتحدث أم فادي عن ذلك بفخر وتقول: “ترك عبد الهادي (22 عاماً) المدرسة لأربع سنوات بسبب الحرب، ثم أكمل تعليمه إلى جانب عمله في أحد أسواق بيع الخضار، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية دخل كلية الحقوق وها هو اليوم يتفوّق فيها”. أما ابنتها أسماء، ولها من العمر واحد وعشرون عاماً، فهي “الفرحة الحقيقية” كما تقول. بعد انقطاعها عن الدراسة لثلاث سنوات، حصلت أسماء على الشهادة الثانوية وبمعدل يؤهلها لدخول كلية طب الأسنان، ولم تمنعها الظروف القاسية واضطرارها أحياناً للدراسة في غرفة العائلة الصغيرة داخل المدرسة، من أن تفاجئ الجميع بنجاحها.

من الذاكرة

 

بعد هدوء نيران الحرب في الغوطة الشرقية منتصف العام 2018، عادت أم فادي لتفقّد منزلها. لم يكن من السهل استعادة ذكرياتها هناك مع جيرانها وأقربائها، ومعظمهم رحل عن المكان، والأهم مع ابنها فادي الذي توفي عام 2013. تشير بيدها إلى طاولة صغيرة بجانبها وتقول: “في الحديقة المجاورة للمنزل الكثير من الأزهار التي كنتُ أعتني بها. كان فادي يضع طاولة كهذه وكرسياً خشبياً ليشرب قهوته ويسألني: ماذا تفعلين لتبقى الأزهار جميلة هكذا؟ صدى كلماته يتردّد إلى الآن في ذاكرتي”.

رغم خساراتها الكبيرة، وأكثرها قسوة وفاة ابنها التي أشعرتها لبرهة بأن الحياة توقفت، أعادت أم فادي وبمساعدة زوجها وأولادها ترميم منزل العائلة المدمر، وزراعة الأرض المحيطة به. ومع متابعة العائلة حياتها في دمشق، تستمر السيدة بزيارة الغوطة من حين لآخر، وتفقّد أحوال المنزل. “حين فقدت ابني لم أكن أعلم بأن الأيام القادمة ستحمل لي تحقيق أحلامي وبدايات جديدة، مع دخول أبنائي الجامعة، وعودتي لأبني بيتي من جديد”، تقول بتحدٍ وإصرار

لم تكن الحرب سبباً للاستسلام

ولكنها تركت جرحاً لا ينسى..

 حسانة سقباني