من عامل في قهوة شعبية إلى طالب دراسات عليا

كتابة :
يزن نيرب

لم يكن يزن نيرب قد تجاوز عامه التاسع عشر عندما نزح مع عائلته المكونة من عشرة أفراد إلى مدينة طرابلس شمال لبنان قادماً من قرية حربنوش السورية، إلى الشمال من إدلب.

 

صبي الأراكيل في المدينة الغريبة

 

في البداية اضطّر يزن للتنقل في عدة أعمال لكسب لقمة عيشه نتيجة الأوضاع المادية الصعبة لعائلته. يتحدث عن تلك الفترة بالقول: ”عملت كصبي لخدمة الأرغيلة وأيضاً كنادل في قهوة شعبية بطرابلس، كان العمل مرهقاً ويتطلب الوقوف والحركة بين الطاولات ساعات طويلة تصل حتى 13 ساعة يومياً، وبمردود منخفض جداً، لكني كنت مضطراً لتأمين مصروفي الشخصي بالحد الأدنى”.
مع الوقت، تمكّن يزن من افتتاح محل لبيع الخضروات مع أحد أخوته، والذي أصبحَ لاحقاً مصدرَ رزقِ العائلة، وشكلّ الخطوة الأولى على طريق استقرار أفرادها.


الجامعة.. حلم يتحول لواقع

 

على خطٍ مواز لم يتخلّ يزن عن حلمه بإكمال دراسته التي حرمته ظروف الحرب في سوريا منها، ليحصل على منحة دراسية في كلية المحاسبة بجامعة الجنان في طرابلس، وليتخرج بمعدل جيد جداً، ثم يتابع دراسة الدبلوم بمجال التمويل الأصغر ليصل إلى درجة الماجستير والتي أنهاها أيضاً بمعدل جيد جد.

شكّلت اللغة الإنكليزية عائقاً كبيراً أمامي

يسرد يزن عن الصعوبات التي واجهته في فترة دراسته وتابع : ”فالدراسة في لبنان تتطلب معرفة عميقة باللغة الإنكليزية وهو ما كنت أفتقر له بسبب اختلاف برامج التعليم بين سوريا ولبنان. اضطررت للدراسة ساعات أكثر، إلى جانب عملي لتأمين مستلزمات الجامعة. كثيراً ما كنت أقضي أياماً كاملة دون نوم بسبب ضيق الوقت”.
يضحك ويضيف: ”أعتقد أنني بحاجة إلى أن أنام عاماً كاملاً لأعوّض نقص النوم أيام الدراسة‟.

 

أخشى على طموحي لذا احتفظ به لنفسي

 

بعد تنقله في عدة وظائف استقر يزن أخيراً كمدير لقسم اللوجستيات في إحدى الجمعيات المدنية في بيروت، رافضاً البوح عن طموحه المستقبلي معتبراً أنه من المبكر جداً الحكم على تجربته بالنجاح.
يقول الشاب الذي يبلغ من العمر اليوم 26 عاماً: ”لا أود الحديث عن طموحي، وأشعر بأن هذا الأمر يفقده البعض من بريقه. أحب ان أصل إليه بصمت، كما أفضّل ألا أضع له سقفاً محدداً، ما يهمني هو أنني حققت حلمي بإكمال دراستي الجامعية، وبأن أكون سنداً لعائلتي‟.

اليوم، وبعد سبع سنوات من نزوحه إلى لبنان، ومع عزمه إكمال دراساته العليا والحصول على شهادة الدكتوراه، ينظر يزن بابتسامةٍ هادئة إلى صورة تجمعه مع عائلته في حفل تخرّجه من الجامعة، يعلَق عليها قائلاً: ”كنت أمامَ طريقين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للظروف التي وجدتُ نفسي أرزحُ تحتَ ثقلها، أو أن أجعلَ من هذه الظروف نفسها دافعاً للتغلب على ذاك الواقع. أحب هذه الصورة، فهي تخبرني بأنني سلكت الطريق الثاني‟.

أخشى على طموحي لذا

أحتفظ به لنفسي

 يزن نيرب