من دير الزور إلى الجزيرة السورية.. “العطاء هو المفتاح”

كتابة :
فواز الأوسي

بعد أشهر من المعارك في مدينة دير الزور شرق سوريا، اضطرت أم العباس وهي سيدة في الأربعين من عمرها للنزوح مع زوجها وأولادها الثلاثة نهاية العام 2011، متجهين نحو مدينة الحسكة شمال شرق البلاد، حيث أقاموا في غرفة صغيرة، ووجد زوجها عملاً ببيع وتوزيع الدخان.

 

“لم تدم فرحتي بالاستقرار طويلاً”

 

تقول السيدة شارحة عن وضع المدينة التي كانت تعيش في تلك الفترة توترات أمنية، فعادت العائلة للنزوح مرة ثانية نحو القامشلي عام 2012، وبدأت رحلة بحث جديدة عن مأوى يقيهم برد الشتاء، وعمل يسد أبسط احتياجاتهم، وكان عدم إتقان اللغة الكردية في وسط يتحدث أغلبه بهذه اللغة من أبرز الصعوبات الشخصية في تلك الفترة. “فكرنا لوهلة بالعودة لدير الزور لكن المعارك كانت هناك على أشدها”.


العمل ليس حكراً على الرجال

 

مع عثور زوجها على عمل كسائق لسيارة أجرة، فكّرت أم العباس بمساعدته، فالعمل ليس حكراً على الرجال كما تقول، وما يكسبه زوجها لا يلبي كل احتياجات العائلة. “قررت حينها العمل من المنزل، وبدأت بمشروع لبيع الملابس الأوروبية المستعملة، فاشتريت كميات بسيطة حسب ما أملك من رأس المال وشرعت ببيعها”. خلال أشهر، كوّنت أم العباس صداقات ساعدت بدعمها وجلب المزيد من الزبائن، لكن ضيق المكان وعدم توفر السيولة المادية، والخوف من انزعاج الجيران بسبب حضور أناس كثر للمنزل، دفعها لإيقاف المشروع.

في تلك الفترة، تمكّن أبو العباس من العودة لدير الزور وإحضار بعض الأثاث من منزل العائلة شبه المدمر، لكن لم يكن في منزل القامشلي متسع لها. هنا خطرت ببال أم العباس فكرة جديدة، فبدأت ببيع قسم من أثاثها وتعلمت مهنة البيع كوسيط من خلال البحث عن أغراض مستعملة في البيوت وبيعها لأصحاب المحال التجارية المتخصصة. “لم أكن بحاجة لسيولة كبيرة في هذا العمل الذي استمريت به لمدة عام”.

ونظراً لحيازتها شهادة من معهد الفنون النسوية، قدّمت أم العباس أوراقها للعمل كمدرّسة في إحدى مدارس المدينة. “لم أتأمل يوماً بأن أصبح موظفة بعد أن بلغت هذا السن، لكنني اليوم بدأت عملي كمدرّسة للغة العربية هنا في القامشلي. نكبر والحلم يزهر وينبثق منه الأمل”.


رغم الظروف القاسية…!

 

تستذكر السيدة أياماً عصيبة مرت على العائلة بعد نزوحها، حيث كان شراء بعض الخبز بمثابة عبء مادي ثقيل. “مع ذلك، رفضتُ أن أكون أسيرة المساعدات من هنا وهناك، واعتمدنا على أنفسنا أنا وزوجي، وكان تعليم أبنائنا بكرامة غايتنا الأساسية، وهو ما نجحنا به مع بلوغ ابني عامه العشرين، وابنتاي أعوامهما الثمانية عشر والثالثة عشر”.

واليوم وبعد سنوات من حياتها في القامشلي، لم تعد أم العباس قادرة على مغادرة هذا المكان الذي كوّنت فيه علاقات جميلة، وحصلت على لقب “الأم الحنون” من أصدقائها في العمل. اقترحت على زوجها بيع منزل دير الزور والاستقرار بشكل دائم في القامشلي. تقول بابتسامة عريضة: “تعودت على جيراني وزملائي، وأشعر بأنني ما زلت قادرة على العطاء هنا، لأنني مؤمنة بقدرة الإنسان اللامتناهية على العطاء والمحبة”.

إنني مؤمنة بقدرة الإنسان اللامتناهية

على العطاء والمحبة”

فوز الأوسي