من تحت الملاية إلى الكعب العالي.. حكاياتٌ لا تشبهنا

كتابة :
ولاء سمير تميم

تأسرنا التجاعيد في وجوه الممثلين والممثلات الأجانب وبعض العرب في بعض المسلسلات والأفلام، تأسرنا الحقيقة التي ليست أصلاً ضمن مجتمعنا أو واقعنا. يأسرنا الصدق والتمثيل الذي نكاد نقسم أنه ليس تمثيلاً في بعض الأحيان وكأنهم وضعوا كاميرا في الشارع وصوروا يوميات الناس.

نشعر ببعض الغرابة حينما نشاهد بعض الأعمال التلفزيونية وحتى السينمائية اليوم، وكأننا نشاهد أشخاصاً يتكلمون العربية لكن لا يعيشون معنا أشخاصٌ لا يشبهون من مروا في “الفصول الأربعة” و”أحلام كبيرة” و”القاهرة منورة بأهلها”، ولعلّ أكثر ما لفتني في بعض الأجوبة التي وصلتنا على سؤال إن كانت الدراما اليوم تعكس صورة المجتمع ككلّ والمرأة بالأخصّ، كانت من النساء والفتيات. “منذ متى ونحن نضع مساحيق التجميل في المنزل ونرتدي الكعب العالي! منذ متى كانت النساء بهذا السخف!

لا أحد يُنكر اليوم أنّ بعض الأعمال الدرامية والأفلام والمسرحيات أنصفت المرأة، وقدّمت أفضل وأجمل ما فيها. لكن لماذا لا يزال موضوع طرح شكل وقضية المرأة يثير الجدل، وإن كانت المرأة فعلاً نالت جميع حقوقها كما يقول البعض، لماذا التنميط والتسليع لا يزال بطل المرحلة.

تصبح القضايا وراءنا عندما لا تعود محطّ نقاشِ وجدال، عندما تصبح من الماضي ولا نأتي على ذكرها كل يوم، لذلك لا يزال موضوع حقوق المرأة ضمن المنزل والعمل وحتى الدراما غير منصفٍ اتجاهها حتى هذه اللحظة.

من حارات البيئة الشامية إلى أقاصي المراحل التي يفترض أنها مراحل تطور وحداثة، مراحل تزعم المسلسلات الحديثة أنها من واقعنا لكنها لا تشبهنا، لا تشبهنا لأنه ما من سيدةٍ في سوريا أو في العالم تطبخ وهي ترتدي الكعب، لا سيدة أو ربّة منزل أو أمّ تنام وخصلات شعرها مرفوعة ومحبوكة بكلّ رتابة، أو مع مساحيق تجميل. لا سيدة ترتدي فستان سهرة مطرز وقصير في المطبخ ولا حتى في غرفة الجلوس ولا حتى أقراطاً تتدلى لآخر العنق.

 

تعزيز الشعور والجري وراء الشكل المثالي وعمليات التجميل

 

رباب محمد، محامية وسيدة أعمال، أخبرتنا عن رأيها في بعض المسلسلات السورية والمشتركة في السنوات الأخيرة: “الفجوة التي تقدمها بعض المسلسلات الآن تزيد من الشعور بالنقص وتعزز الجري وراء الأفضل لكن ليس بالعمل ولا التربية ولا الثقافة ولا مجابهة الحياة، وإنما وراء الشكل وعمليات التجميل. أنا محامية ونهاري كله مع الكعب والثياب الرسمية ولكن في عملي وليس ضمن المطبخ ومع أطفالي”.

وبرأي المحامية والأم لثلاثة الأطفال أنّ الدراما اليوم تطرح المشكلات ولكن لا تطرح الحلّ، وتطغى عليها الحوارات الفارغة غير الهادفة المليئة بالأفكار التي لا تعطي قيمة، كما أنّ الكيدية وما يسمى بـ “ألاعيب النسوان” تعكس الكثير من المغالطات وكأن هدف النساء الأول هو كيف تكيد الأولى للأخرى.

في سنواتٍ مضت كان دور المرأة في التلفزيون يقتصر على رعاية الأبناء والأزواج ولا سيما تلك المتعلقة بأعمال البيئة الشامية، اليوم ذات الدور لكن مع المال والجاه والسلطة والسعي وراء الانتقام من جارتها وصديقتها وغيرها من الأمور التي لا يجب أن تكون محورية في المسلسلات وخصوصاً أن الجميع يستطيع مشاهدتها من صغار ومراهقين وكبار.

 أعمال قليلة جداً خرجت عن المألوف، وأصبح جزءاً من ذاكرة كل شخص وكلّ منزل، السيدة فاتن علي ربة منزل تشاركنا برأيها:” أنا لليوم أعيد وأكرر مسلسل “الفصول الأربعة”، أشعر بأنه جزء من حياتي، لا أستطيع مشاهدة مسلسلات هذه الحقبة تلك التي قد تنتهي في ساعة ولكنهم يجعلونها مئة حلقة”.

رأي السيدة فاتن يشمل اليوم ما يدعى بمسلسلات الأجزاء أو المئة حلقة، والتي يلعب تسويقها نجاحاً مبهراً في إيصالها للجماهير، حيث أنّ أغلب تلك الإنتاجات لا تستدعي كلّ هذا العدد من الحلقات وقد تمرّ حلقة كلمة دون أيّ حدث مصيري يذكر.

الإطار الدرامي للأعمال السورية قد تغير، لكن طقوسه ما زالت على ما هي عليه، رغم أنّ بعض الأعمال قد خرجت عن مسار النمطية قليلاً وجعلت المرأة مركز اهتمامها، مثل مسلسل “قلم حمرة”، و”حرائر”، “غداً نلتقي”، “زمن العار ” و “عصي الدمع” وغيرها وقدمت لها دوراً أكبر من الدور الذي رسم لها دوماً بأن تخدم وتطيع وتكيد.

عشرة مواسم استمر فيها المسلسل السوري “باب الحارة” بذات الشكل للمرأة، المطيعة، الباحثة عن الزواج، في الوقت الذي قدمت أعمال أخرى صورة منصفة للمرأة بكونها عالمة وباحثة وطبيبة وقائدة ثورات وهي تتكلم عن ذات الفترة التي يتكلم عنها “باب الحارة” لكنها تعالج صورة المرأة من ناحية أخرى.

كما أنّ العديد من القصص تثير التساؤل حول المرأة التي ترث وتصبح غنية وناجحة وكأنها بدون ورثة زوجها المسنّ أو أهلها لما استطاعت الوصول للنجاح، إضافة للمرأة الناجحة بدون ورثة أيضاً ولكن عن طريق تقديم تنازلات في مجال العمل.

 

الدراما مسؤولية مجتمعية

 

إنّ الاهتمام بالمظهر الخارجي للمرأة دون الاهتمام بالجوهر، وعرض العلاقات المأطرة بالكذب والنفاق الذي يصل حدّ تعاطفنا مع الخيانة أصبح اليوم أيضاً يتصدر المشاهد الدرامية مع إيجاد المبرر مما يشجع العديد الأشخاص ربما على انتهاج هذا الفكر.

في هذا السياق يرى الكاتب والسيناريست ممدوح حمادة في حديثه مع منصة صدى الجنوب السوري أنّ وظائف الدراما متعددة وبناءً على الهدف الذي تطرحه مسبقاً، يمكن تحديد وظيفتها فإن كان الهدف من هذه الدراما ترفيهياً وهو أمر مشروع، فإنه لا يمكننا أن نطلب منها طرح رسائل عميقة ومن هنا فإن لبعض الأعمال وظائف تنويرية مثلاً ولبعضها الآخر وظائف تحريضية، وأخيراً فإن على الدراما في بلدان يسيطر عليها الجهل أن تقوم بدور نهضوي وإلا فهي ليست أكثر من مادة للتسلية لا قيمة لها.

الدراما اليوم تتحمل مسؤولية أخلاقية ومجتمعية بوصفها جزءاً من هوية المجتمع لأن التغيير يجب أن يبدأ من الأرض والمدرسة والتلفزيون والكتب وما إلى ذلك. فالصورة التي ترسمها الدراما والمسلسلات مثلاً في أذهان الناس لا تمحى، قد يتعلم الأطفال السلوكيات اتجاه أهلهم/ن منها، وقد ي/تنتهج مراهقٌ/ة أسلوب حياته/ها منها.

المجتمع عموماً والنساء خصيصاً، بحاجةٍ الآن إلى دراما ترتقي بالذوق العام، وتعبرّ عن همومهن ومشكلاتهنّ، تتحدث عن نجاحاتهنّ والمعاناة التي يعشنها في الشارع والباص ومكان العمل، وليس دراما يمكن تصنيفها تحت بند الخيال العلمي.

“الدراما اليوم تتحمل مسؤولية أخلاقية

ومجتمعية بوصفها جزءاً من هوية المجتمع “

ولاء سمير تميم