ماري الطويل صانعة الأعواد الدمشقية

كتابة :
ماري الطويل

صناعة العود

في ورشة والدها الكائنة بسوق المهن اليدوية وسط العاصمة السورية دمشق، تجلس ماري الطويل إلى جانب الآلات والماكينات الخاصة بصناعة الأعواد الدمشقية، وتنجز بيديها بعض المهام بالغة الدقة والتي تتطلب الكثير من التأني والعناية، خلال عملها لإتمام صناعة واحدة من هذه الآلات الموسيقية الشرقية.

“هذه المرحلة تدعى التخريق بالمنشار اليدوي”، تقول ماري مبتسمة وتضيف: “تمر صناعة العود بالعديد من المراحل التي بدأت بتعلمها منذ الصغر، واليوم وصلت لدرجة كبيرة في إتقانها”.


بداية الشغف

 

تتذكر الفتاة الثلاثينية بداية شغفها بهذه المهنة التي يمارسها والدها ومن قبله جدها منذ عشرات الأعوام. “كنت صغيرة جداً حينما أخذت بمراقبة جدي وهو يصنع الأعواد في المنزل، ومن كثرة ما كنت أدخل إلى ورشته وأنظر إليه، وأحوّل الأخشاب التي يعمل بها لألعاب لي، صنع لي مرسماً خاصاً بي وبدأت رحلتي بشكل خاص مع الأخشاب التي أحب كل ما يتعلق بها”.

ومع بلوغها العشرين من العمر، قررت ماري الانضمام لوالدها في ورشته التي يملكها منذ ثمانينات القرن الماضي، وهناك تعلّمت منه معظم أسرار هذه المهنة التي تشتهر بها مدينة دمشق بالذات، إلى جانب

شغف ماري بصناعة الأعواد وإتقانها لهذه المهنة كانا من أسباب حصولها على شهادة “شيخ الكار” (أي الشخص الذي يتقن حرفة معينة ويمتلك خبرة كبيرة بها) من وزارة السياحة عام 2017، إثر مشاركتها بمهرجان لشيوخ الكار العاملين بمختلف المهن التراثية، ومعظمهم من الرجال. “شعرت بسعادة بالغة لدى حصولي على تلك الشهادة خاصة وأنني الفتاة الوحيدة بهذا المجال”.


طريق ماري نحو شغفها

 

“بدأت بتنفيذ الرسوم الخاصة بالأعواد والتي تُزيّن بها عقب الانتهاء من تصنيعها. انتقلت بعدها لتعلم العمل على المنشار اليدوي، والحفر، وتثبيت قطع الموزاييك، ومن ثم دخلت بتفاصيل المراحل الأكثر صعوبة، مثل تجميع القطع الخشبية التي تشكّل جسم العود وتثبيتها باستخدام الكي أو الغراء الأحمر، ووضع العوارض داخل جسم الآلة وتثبيت الزند عليها، وهو من أكثر المراحل دقة وحساسية حيث يرتبط نقاء صوت الآلة وجودته بهذه المرحلة الذات”، تقول ماري وهي تشرح مراحل عملها.

لم يكن إتقان كل ذلك بالأمر السهل، خاصة وأن ماري هي أول فتاة دمشقية تحترف صناعة الأعواد، وهو ما ترجع فضله لعائلتها ووالدها بالذات، مشجعها الأكبر على المتابعة بهذه المهنة. “كثيراً ما أجلس إلى جانب باب الورشة وأنا أعمل، لأتلقى نظرات وتعليقات سلبية من العديد من المارة الذين يرون يدي مغطستين بمواد صناعة الأعواد. يتهامس بعضهم بالقول “شو بدك بهالشغلة” وفي حال مرور بعض الأجانب يفرحون برؤيتي ويطلبون التقاط الصور معي. وأنا، أبتسم في قرارة نفسي وأنا أعلم يوماُ بعد آخر مدى حبي لما أقوم به”.


شيخ الكار

 

شغف ماري بصناعة الأعواد وإتقانها لهذه المهنة كانا من أسباب حصولها على شهادة “شيخ الكار” (أي الشخص الذي يتقن حرفة معينة ويمتلك خبرة كبيرة بها) من وزارة السياحة عام 2017، إثر مشاركتها بمهرجان لشيوخ الكار العاملين بمختلف المهن التراثية، ومعظمهم من الرجال. “شعرت بسعادة بالغة لدى حصولي على تلك الشهادة خاصة وأنني الفتاة الوحيدة بهذا المجال”.

واليوم، ومع اهتمامها بأسرتها المكونة من زوج وولدين، ودراستها للحصول على شهادة الثانوية العامة، تصرّ ماري على متابعة عملها بتصنيع الأعواد الدمشقية واكتساب المزيد من الخبرة به، وتعتقد بأنها قادرة على تعليم فتيات أخريات راغبات باحتراف هذه المهنة الشرقية الجميلة كما تصفها. “أشجّع كل فتاة على متابعة ما ترغب به وإن كان مهنة غير مألوفة للنساء في مجتمعنا، المهم أن نتقن ما نقوم به وأن نمارسه بحب وشغف”.

“بدأت رحلتي بشكل خاص مع الأخشاب

التي أحب كل ما يتعلق بها”

ماري الطويل