كي لاتكون الكلمة الأخيرة للكراهية..لنكتب للسلام

كتابة :
أنوار العبدالله

كمن تقرأ في كتاب ممنوع من التداول هكذا كان شعوري عندما كنت أتصفح داخل مجموعات على موقع الفيسبوك تضم أشخاص من مختلف مناطق سوريا ولكنها مخصصة لأهالي ادلب، إحداها كانت ثقافية وتحديداً هدفها الأساسي التعريف بلهجة وتراث المحافظة كانت من أجمل الصدف التي قادني إليها ملل أيام “الحجر الصحي” خلال فترة انتشار فيروس كورونا وآخرها كانت مجموعة نسائية بامتياز نتبادل فيها النصائح والتجارب حول تفاصيل الحياة اليومية، قبل ذلك لم أكن أعرف عن ادلب شيء أما الآن فاستطيع أن أحدثك عن “الزنانة” أو “الزناني” كما تلفظ باللهجة الادلبية وهي طبق تراثي يحمل ذكريات الكثير من أبناء إدلب أيام الزيتون وتتكون من طبقات الخبز وأوراق الجرجير يفرط فوقها حب الرمان وتسقى بزيت الزيتون الصافي من المعصرة حصراً، أيضاً أستطيع أن أذكر لك عشرة فوارق بين اللهجة الادلبية والحموية أوالحلبية فسابقاً كنت أظنها واحدة ولافرق، وأستطيع أن أسرد طويلاً عن العادات في الأعراس والوفاة واختلافها بين مناطق المحافظة ذاتها. لم أكتفي بهذه المجموعات لأروي فضولي فوجدت نفسي كل يوم في محافظة اقرأ وأسمع وأشارك وأضحك مع أبنائها في مجموعاتهم/ن حقق لي الفيسبوك مالم استطع تحقيقه على أرض الواقع ولم شمل مافرقته الحرب وأججت ناره وسائل الإعلام.

 

لماذا صحافة السلام؟

 

تنقسم وسائل الإعلام السورية اليوم وتكاد لاتوجد وسيلة تغطي جميع مناطق سوريا بشكل مهني يعكس الواقع كماهو، نعيش قطيعة إعلامية منذ حوالي 10 سنوات فرضتها الحرب والسياسة ولكن ماذا عن المجتمع السوري؟، كم نعرف عن بعضنا البعض اليوم؟، ولماذا يجب أن نعرف عن بعضنا؟.

يقول مؤسس مركز صحافة السلام العالمي ستيفن يونجبلود “إن صحافة السلام هي عندما يتخذ المحررون والصحفيون خيارات من شأنها تحسين آفاق السلام في أي قصة يعملون عليها” وهي تتميز بأنها: استباقية، أي  تبحث في أسباب النزاع وتكتشف الحلول الممكنة له، وتشجع على الحوار، وتقر بوجود أرضية مشتركة بين الأطراف وتغطي القضايا من جميع أطراف الصراع، وتعبر عن أصوات من لاصوت لهم/ن”.

وفي السياق السوري ومع مراعاة خصوصية تركيبة المجتمع السوري هناك مواضيع تشكل قاعدة وأرضية مشتركة يمكن أن يعول عليها للانطلاق بصحافة السلام التي من شأنها أن تعزز ثقافة تقبل الآخر وتحقق التماسك المجتمعي، وبحسب مجموعة من المقابلات أجرتها مؤسسة مَوج التنموية مع المشاركين/ات في مشروع خالف تَعرف تبين أن هناك ثلاثة مواضيع يمكن التركيز عليها في وسائل الإعلام وصناعة المحتوى تعزز ثقافة تقبل الآخر وهي الرياضة والاقتصاد والمواضيع الثقافية بخاصة تلك التي تتناول التراث اللامادي السوري وأهمها الطعام والأطباق الخاصة بكل منطقة وطرق إعدادها والموروث الشفهي والعادات والطقوس الاجتماعية.

 

الطريق طويل وغير سالك لكن لابد منه

 

عندما ندعو لصحافة السلام من قلب الكراهية المنتشرة لابد أن نقف عند خصوصية كل منطقة في سوريا واحتياجات العاملين/ات في الإعلام فيها لنعرف أين ستكون البداية، تشاركني الزميلة شيلان الشيخ، صحفية (من القامشلي)، الرأي في ذلك وحول وضع الصحافة في منطقة عملها تقول: “غالبية الصحفيين/ات دخلوا المجال نتيجة حاجة المنطقة للعمل الإعلامي وقلة الصحفيين/ات الأكاديميين/ات أوالمدربين/ات على أصول المهنة وأخلاقياتها، لذلك نجد الكثير من التجاوزات المهنية وانتشار واضح لخطاب الكراهية”، وأشارت في حديثها إلى أهمية صحافة السلام في الوقت الراهن، أما عن المبادرات التي يتم العمل عليها حالياً لنشر صحافة السلام تقول شيلان:” معظم المبادرات الموجودة من مؤسسات ومنظمات محلية أو أفراد مستقلين، وعلى الرغم من قلتها إلا أنها تتجه نحو تبني خطاب متوازن يمكن أن يخدم التماسك المجتمعي”.

وأضافت” أن الصورة المنقولة حول المجتمع السوري من كافة المناطق هي صورة نمطية متوارثة غير صحيحة كما في الصورة النمطية المأخوذة عن أبناء المناطق الشرقية والتي أواجهها عندما أكون في مدينة أخرى”، وفي نهاية حديثها دعت إلى العمل على تحسين اللغة والمصطلحات المستخدمة في التغطية الإعلامية والتركيز على التعريف بالمجتمع السوري تعريفاً حقيقياً، “عندما يتم العمل على هذه المواضيع سنلحظ المحبة والألفة والتقارب، صحافة السلام صعبة ولكن ليست مستحيلة وأثرها تراكمي”.

 

التعريف الصحيح الدقيق أولاً

 

لايختلف الأمر كثيراً في ادلب فنحن نشترك بضبابية الصورة المنقولة، وترى عفاف ابراهيم، صحفية (من ادلب)، أن المدنيين يعيشون حالة من العزلة لايرون بعضهم في صحافة مشتركة تتوجه لهم/ن جميعاً أوعلى الأقل مواد صحفية متفرقة تحكي همومهم/ن وتنقل الواقع كما هو، وتضيف”مهم جداً في الوقت الحالي التركيز على الصحافة التي تحكي عن هويات كل مكون من مكونات المجتمع السوري المميز بتنوعه، تعريف بتاريخه وثقافته وعاداته وطقوسه، هذه المعرفة كفيلة بأن تنقلنا لصفحة جديدة”.

“عفاف” تعمل صحفية منذ أكثر من عشر سنوات، وأشرفت على إنتاج سلسلة من المواد الإعلامية التي تخدم بناء السلام، بالإضافة لتخصصها بتغطية قضايا المرأة وحقوقها، وعن هذا التوجه قالت:” أركز في عملي على القوانين التي تهم المرأة وتمس حياتها مثل الأحوال الشخصية والعمل خاصة بعد كثرة الجرائم التي تعرضت لها النساء في الآونة الأخيرة، فتحقيق العدالة للنساء يعني بأننا نؤسس لمجتمع يعم فيه السلام بشكل واضح”.

وعن رأيها بمضمون صحافة السلام المطلوب تحقيقه قالت:” صحافة السلام يجب أن تعبر عن أصوات الناس وتناصرهم/ن ولا تؤجج الصراع، صحافة واعية لحساسية المجتمع والتوقيت تستند إلى قوانين ومواثيق وضوابط مهنية وليست عمل عشوائي”.

 

أحبك وأنا أعنيها

 

أحب هذه البلاد خطوةً خطوة، وأحب لهجاتها لهجةً لهجة وأحب أبنائها وبناتها من حيثما كانوا الحب الذي جعلني أسعى لأعرفهم/ن أكثر وأحفظ تفاصيلهم/ن الحب الذي أرغب أن يشاركوني وتشاركوني إياه وأن يتبناه خطاب واحد جامع للسوريين والسوريات نابذ للكراهية مؤسس للسلام.

“أرغب بالحب الذي يتبناه خطاب واحد جامع

للسوريين والسوريات مؤسس للسلام”

أنوار العبدالله