كسرٌ في القلب والأضلاع

كتابة :
أنوار العبدالله

لم تكن الحياة منصفة مع هويدا (48 عاماً)، لقد وضعتها أمام تحديات كبيرة، فلم تسمح لها العائلة بإكمال تعليمها، زوجوها في السادسة عشرة وأصبحت أماً لطفلين في العشرين.

كان زوجها حادّ الطباع قاسي المعاملة، كلما ثار غضبه يضربها ويقسو عليها وعلى أطفالها، لكنها لم تملك من أمرها شيئاً فالمحيط من حولها كان يقول لها بأنّ “المرأة هي لزوجها وأطفالها فقط”، “كانت تضيق بي فأذهب لأمي شاكية قسوته وظلمه وأخبرها بأني أريد الطلاق لكنها كانت تقول لي (ما عنا بنات تتطلق بدك تصبري)”.

تعلمت هويدا مهنة الخياطة وعملت بها منذ صغرها، كانت تعمل في الخياطة وبأي عمل يتاح لها من بيتها فالعمل خارج المنزل أمرٌ ممنوع في قوانين الزوج المتسلط، عملها المتواضع كان يساعدها للاعتماد على نفسها لتأمين متطلباتها ومتطلبات أطفالها الذين كانوا سببا لصبرها على عنف زوجها المستمر.

 

في إحدى نوبات الغضب الجنونية

 

كان زوجها يضربها وأطفالها بعنف شديد، بدأ أطفالها بالصراخ والبكاء احتموا جميعا في زاوية الغرفة، حاولت هويدا حمايتهم بكل ما أوتيت من قوة، كانت تتمنى في كل لحظة أن تكون الضربات كلها لها وألا يصيب الأطفال أي سوء، تغمض عينيها بأسى وهي تتذكر الحادثة “ألم العالم أجمع حلّ بجسدي، كنت أتمنى أن أموت وأرتاح من كل هذا العذاب لكنّ دموع أطفالي وصرخاتهم كانت تحرق قلبي، صرخت في وجهه (ربي يكسر إيديك) فجنّ جنونه، وازداد عنفه ولم يرحم ضعفنا”.

بعد الحادثة قام الزوج بحبسها في المنزل لعدة أيام، منع عنها رؤية أهلها أو أي أحد آخر، لكنّ آلاماً مبرحة كانت قد حلت بها واضطر لنقلها إلى المستشفى، كسرٌ في الأضلاع واليد اليمنى هذا ما شخصه الأطباء وخسارة جنين في الشهر الثالث من الحمل. لقد فعل عنفه فعله في جسدها. كان الموت قريباً منها كقرب الدمعة من عينيها.

لجأت إلى أهلها علّهم ينصفونها فكان جواب والدها “بيتك قبرك ما عنا بنات تطلق” عادت إلى منزلها مكسورة القلب والأضلاع.

اندلعت الحرب في سوريا بعد فترة قصيرة، واضطروا للنزوح من ريف دمشق للسكن مع عائلتها في منزل واحد بعد خسارتهم لممتلكاتهم، ازدادت الصعوبات المادية فبدأت هويدا العمل في مشغل للخياطة بأجر جيد إضافة لعملها في المنزل، وتحسنت أوضاع عملها في الوقت الذي ازداد عنف زوجها وأصبحت إهاناته لها أمام أهلها أمراً لا يحتمل، حينها أخبرت الجميع بأنها تريد الانفصال عن زوجها واستطاعت بعد معاناة طويلة الحصول على الطلاق.

 

لأنها امرأة عاملة

 

عمل هويدا جعلها قوية كفاية لتطلب الطلاق، “لو لم أكن امرأة عاملة لكان ذلك مستحيلاً حينها كنت سأضطر للبقاء مع زوجي وتحمل كل الأذية بسبب عدم وجود مصدر دخل كافٍ لي”.

“أحسست بالراحة شعرت بأن جبلا قد زاح عن صدري، وبدأت أعيش الحياة من جديد، قبل ذلك لم أكن على قيد الحياة”.

قامت هويدا باستئجار منزل صغير وانتقلت للعيش فيه مع أطفالها الذين كبروا وبدأوا العمل لمساعدتها، وبدأت الحياة تصبح أقلّ قسوة.

تحاول هويدا الآن دعم ابنتها لإكمال تعليمها، ولن تسمح لها بالزواج بعمر مبكر “لا أريد لابنتي أن تعيد تجربتي، سأدعمها بكلّ ما أوتيت من قوة، لتحظى بحياة أفضل من التي حظيت بها”.


قبل ذلك لم أكن على

قيد الحياة

هويدا