في سورية باتت العفوية تهمة..

كتابة :
ميسون الشاهين

أحد الأمثال الإنكليزية تقول: “الجراح الجيد يجب أن يكون لديه عينا نسر وقلب أسد ويد امرأة” بيدَ أن هذه اليد بالذات هي جذر المشكلة طالما أنها لطبيبة ما يحتم مواجهتها لفوقية الآخرين، هذا ما تؤكده “حنين” (اسم مستعار) وهي طبيبة متدربة في أحد مشافي العاصمة تبلغ من العمر (26) عاماً وتختص في الجراحة العصبية، تروي حنين بعض التفاصيل المتعلقة بعملها كطبيبة متدربة والمتكررة بشكل شبه يومي.

أكثر من مرة تأتي إحدى الحالات المرضية فيراها الطبيب المشرف ويفضل تسليمها لطبيب متدرب طالباً منه فحص الحالة وإخباره بالنتيجة مع تجاهل وتهميش للطبيبات المتواجدات في نفس الفئة بحجة إعطاء فرصة من الراحة لهن على اعتبار أن القدرة الجسدية للمرأة أقل ولكن تقول حنين “هذه إهانة لنا كنساء وتهميش مقصود وتفضيل للذكور، فأنا أولاً وأخيراً طبيبة ويجب معاملتي على هذا الأساس”.

تتابع حنين؛ في أحد الصباحات دخل علينا الطبيب المشرف وكانت للصدفة هذه الفئة كلها فتيات تفاجئ حينها وقال بامتعاض شديد “كلكن بنات معقول ما في ولا شب” وذهب إلى الجولة الصباحية بمفرده دون مرافقة أي طبيبة متدربة لأنه لم يجد شاباً يرافقه!

لا يقتصر الأمر على بعض الأطباء فقط فالمرضى قصة أخرى حسب تعبير حنين ففي كثير من الأحيان يرفض الرجال أن تجري طبيبة سحب الدم لهم في نظرة دونية تقلل من شأن المرأة وتصفها بضعف القلب وتضعها في خانة عدم الكفاءة واحتمالية الفشل والضرر والقضاء على المريض وهذا ما حصل مع زميلتها التي قال لها أحد المرضى عندما رآها “لا لا مو ناقصني بنات تجرب فيني” وخرج من الغرفة مسرعاً.

لو كان أبقراط صاحب القسم الأشهر لمهنة الطب حياً هل كان ليضع بنداً خاصاً في قسمه ينص على تحريم وتجريم الكراهية الموجهة من الأطباء الذكور للطبيبات؟!

 

إلا العدالة!

 

يبدو لفظ العدالة عندما يتعلق الأمر بالمحاميات ضرباً من الخيال، ففي هذه المهنة تواجه السيدات كل شيء إلا العدالة المهنية والاجتماعية، هنا تتحدث محامية من دمشق فضلت عدم ذكر اسمها عن تفاصيل يومية تعايشها وعن أكثر الأمور التي يواجهنها المحاميات قالت: الاستخفاف بنا وبمعلوماتنا إذ يعتقد المحامون والقضاة أن أي محامية يجب ألّا تغرّد خارج السرب وأن تكون تحت كنفهم، والأمر ليس مجرد نظرة دونية بل ممارسة وسلوك يومي خاصة من قبل الموظفين/ـات الذين/اللواتي يحاولون/ن قدر الإمكان الاستعجال بمهام المحامين وتقديم الأوراق والمساعدة اللازمة لهم على حساب المحاميات، وإذا كان هناك ضرورة لدفع الأموال فتدفع المحامية ضعف المبلغ الذي يدفعه المحامي كي تشتري مزيداً من الوقت يساعدها في إنجاز مهمتها.

نظرة استخفاف بالمحاميات تسيطر على المشهد من قبل القضاة رغم الباع الطويل لهن في المهنة، تقول المحامية وتتابع كثير من الأمور نتغافل عنها بابتسامة ونحتمل نَزَق القضاة (وكما نقول في العامية النَتوَرة في وجوهنا) فعلى ما يبدو حضورنا ثقيلاً عليهم.

أمّا في الحفلات والسهرات يتسابق أبناء المهنة في مساعدة بعضهم في القضايا وتقديم التسهيلات التي يستطيعون، في حين أن الأمر بالنسبة للمحاميات مختلف تماماً لا أحد يبادر بالمساعدة بل على العكس في حالة سؤال أو استشارة يكون الجواب مدعاة للتيه والحيرة وكأنّ ذلك متعمّد، هذا فضلاً عن نظرة الموكلين/ـات الذين يشككون/ن في المحاميات ويفضلون المحامي الرجل على الامرأة بغض النظر عن مدى كفاءته.

بالرغم من الجهود الدؤوبة التي يبذلها المجتمع المدني فيما يخص العنف والكراهية ضد النساء، إنما وفقاً لدراسة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي صادرة عن رابطة النساء السوريات فلا تزال الصورة قاتمة مع استمرار مواجهة النساء والفتيات في المنطقة لتحديات تفرضها قوانين وسياسات تسهم في إدامة العنف، وأعراف وممارسات مترسخة ذات صلة بالنوع الاجتماعي تؤثر على مستوى العلاقات والأسر والمؤسسات.

 

صورة عفوية:

 

 صفاء صلال صحفية (25) عاماً تقطن في دمشق تروي قصصاً حدثت معها أثناء عملها الصحفي تحمل كماً من الكراهية لا بأس بها، فعندما كانت مراسلة تغطي العمليات العسكرية في البادية السورية وحينها كانت الصحفية الوحيدة المتواجدة في المنطقة سواء من الرجال أو النساء، واكبت تلك العمليات لمدة 15 يوماً وكانت مصدراً للمعلومات حول ما يجري من اشتباكات، في يوم الوصول إلى مشارف بلدة السخنة وصل صحفي روسي يعمل لصالح وكالة “آنا”  “Anna News”الروسية، ليصبح المراسل الثاني هناك، التقى صفاء ودار حديث بينهما حول المهنة التقطا على إثره صورة وهو يضمها بعفوية احتفاءً بتواجدهما في هذه المنطقة الساخنة، ثم نشرها على صفحته الشخصية مرفقاً اياها بعبارة “ها نحن وصلنا في السخنة”، ما هي إلا دقائق معدودة وتنتشر الصورة على باقي الصفحات السورية بعنوان “مراسلة سورية برفقة عسكري روسي” ذلك أنه كان يرتدي لباساً خاصاً بوكالته يشبه الزي العسكري ذي اللون الأخضر الشائع في معظم بلدان العالم.

فرغت الصورة من مضمونها تماماً، صحفيان من جيلين مختلفين في وسط البادية التقطا صورة عفوية برفقة جنود آخرين أثناء تغطية عملية عسكرية، إنما التعليقات على الصورة ذهبت بها إلى مكان آخر وما زاد الطين بلة “أنني كنت مبتسمة وأضع طلاءً وردياً” قالت صفاء مشيرة إلى عجزها عن وصف التعليقات المهينة والكلمات البذيئة الموجهة لها.

لكأن ابتسامة وطلاء وردياً ظاهراً على أصابعها يجردها من صفتها الإنسانية والصحفية ويلبسها صفة العهر، خاصة في فضاء مفتوح وعشوائي كمواقع التواصل الاجتماعي التي خلقت بيئة خصبة لظهور التنمر والكراهية وإطلاق الأحكام والتصنيفات كيفما اتفق وبما يناسب الأهواء، وفي هذا الصدد صدر تقرير لقسم المراقبة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أشار إلى ازدياد حدة العنف والتحريض والحملات ضد الصحفيات والناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف توجهاتهن، هذا التحريض الذي أثّر  على صفاء وعائلتها بشكل سيء وجعلها حريصة جداً في التدقيق بصورها مهما بدت عادية فهذه العفوية بالذات أصابتها يوماً بسهامها.

علماً أن هذا لم يكن الموقف الأول الذي تتعرض له ففي إحدى التغطيات في دمشق رمقها أحدهم ثم قال لها “هلق أنتِ طالعة معنا” في إشارة منه إلى أنها صغيرة وشكلها لا يشي بقدرتها على القيام بمهمة صحفية.

 

افتراضات

 

عند النظر أو السؤال حول وجود جهود قانونية ومجتمعية ترمي إلى الحد من خطاب الكراهية العنصري ضد النساء تقول المحامية لمى الجمل: بالشكل العام الدستور يمنح الأفراد الحريات ويدعو إلى المساواة أما في التفصيلي تغيب هذه المساواة، ولكن برأي “الجمل” أن المشكلة لا تكمن في التشريع بقدر ما هي في نظام المحاسبة فتضرب مثلاً عن سَنّ قانون يكفل حرية الاختيار للفتاة بينما يوجد في بعض البيئات استعداداً لنبذ أو قتل الفتاة مقابل هذا الاختيار أياً كان، فماذا نستفيد من هذا التشريع إذا لم تطبق المحاسبة بشكل صارم تسأل “الجمل” موضحة برأيها الخاص أن القانون نتيجة وليس بداية في إشارة منها إلى التأكيد على أن البيئة والمجتمع يشكلان العائق الأكبر.

لو كانت قصة صفاء لصحفي ولو كانت حنين طبيباً والمحامية محامياً هل كن سيواجهن كل ذلك؟ هذه ليست أسئلة وجودية أو افتراضات بل حاجة ملحة تكون الإجابة عليها بتكثيف الجهود المدنية وبفرض قوانين صارمة تمنع وتحد من سيل هذا الخطاب ضد النساء.

القانون نتيجة وليس بداية

البيئة والمجتمع يشكلان العائق الأكبر

لمى الجمل