عائلات سورية تغيّر كُناها خجلاً من المجتمع!

كتابة :
لمى علي

من حسن حظي أو سوئه، لا أدري، صادفتُ أثناء إعدادي لهذا المقال على موقع الفيسبوك في إحدى الصفحات السورية العامة -التي تدّعي أنها تقدم محتوى ترفيهياً- منشوراً يحمل سؤالاً يبدو للوهلة الأولى سؤالاً طبيعياً: “ما هي أغرب كنية سمعت فيها؟”، إلا أن تتمة المنشور تظهر التنمر الممارس على عدد كبير من السوريين الذين يحملون ذات الكنية المطروحة في مثالٍ ساخرٍ تبع السؤال، ولم ينتهِ الأمر عند سلوك صاحبة المنشور غير المبرر تجاه أشخاص لا تعرفهم ولا يعرفونها -التي لم تتقبل رأي من أبدى استياءه عبر التعليقات حول ما نشرته، رغم قلتهم- بل تعدى الأمر أن وصل عدد المتفاعلين مع المنشور بأضحكني إلى 16 ألف شخص خلال 3 أيام من تاريخ النشر، وعلّق حوالي 1400 شخص تعليقات أغلبها تحمل الكثير من التنمر والكراهية لسوريين آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون ألقاب أجدادهم التي لا تعجب البعض.


تغيير جذري

 

حالات السخرية من النسب الغريبة –إلى حدٍ ما- موجودة في مجتمعنا بكثرة، قد يراها البعض “تنكيّتاً” ولا مشكلة لديه معها، والبعض الآخر يجدها نوعاً من “الغلاظة” يحاول الابتعاد عنها، إلا أن قلّة قليلة من يلمسون بجدٍ حجم الأذية النفسية التي يسببها هذا النوع من التنمر، وخاصة بين الفئات العمرية الصغيرة حيث يرتفع معدلها بشكلٍ واضحٍ، هذا ما دفع “سامر بصلة” لرفع دعوى تغيير نسبة لتخفيف الأذية النفسية التي تتعرض لها ابنته المراهقة في المدرسة، رغم أنه قبل 20 عاماً عندما استشاره والده مع إخوته حول تغيير كنيتهم -بعدما قام أحد أعمامهم بذلك- كان من الرافضين للفكرة، فهو لا يخجل من عائلة أجداده، وكان قرار العائلة حينها الإبقاء على نسبتهم الأصلية.

كسب “سامر”، هذا العام، الدعوى التي كلفته حوالي 150 ألف ليرة وانتظار عدة أشهر، وأصبح اسم ابنته “تالا عربي كاتبي”، ولأنّه حاول حساب جميع أبعاد الموضوع ليؤمّن لأطفاله حياة متوازنة نفسياً، وكان يعلم أن الكنية القديمة في الحي الذي يسكن به في المزة لن تفارقه وعائلته، نقل سكنه ومدارس أولاده إلى حيٍّ آخر، وبدأ الجميع حياةً جديدةً بكنيةٍ جديدةٍ لا تحمل ما يثير في الآخرين خطاب كراهية بالمجان.

 

ذنبٌ يتوارث

 

الهروب من مجتمعٍ لا يجيد حساب المسافة الفاصلة بين السخرية والفكاهة ليس بالأمر السهل، فرغم مرور حوالي 90 عاماً على قيام والد جدّ “ماجد” بتغيير نسبة العائلة، ما زال إلى اليوم يجد من يمازحه، بشكل لاذع، بكنيته القديمة ويصفه بـ”المسطول” وخاصةً من أقاربه، ينقل “ماجد” القصة عن لسان جدّه الذي لا يعرف سبب تسمية العائلة بهذا الاسم المخجل –كما يصفه- لكن يبدو أنه بُني على حادثةٍ ما، مضى عليها مئات السنين وأصبحت الكنية الشائعة للعائلة “المسطول”، فقرر والد الجدّ الذي لم يتقبل هذه الكنية يوماً أن يقوم بنفسه بتغييرها في القيود الرسمية وبين الناس، وأخذ يستشير أفراد عائلته بالكنية الجديدة، ورغم أنه كان يحبذ اختيار نسبة “الحباب” أو أي نسبة تدل على اللطافة، إلا أن الخيار الأخير وقع على لقب “الخباز” كون العائلة كانت تعمل في هذه المهنة وأغلب عائلات دمشق تعتمد على تسمية كُناها على المهن التي تعمل بها. حقق الجد أمنيته بحذف لقب “المسطول” من سجلات القيود المدنية للعائلة، إلا أنه لم يستطيع حذفه من رؤوس بعض الناس التي تعاتب “ماجد” حتى اليوم على عدم ذكر الكنية القديمة عند التعريف عن نفسه، وهو الذي لا ذنب له سوى أنه يذكر نسبة والده وجده الحالية.

 

قانون يرحم

 

في أروقة محاكم الصلح المدنية بدأ عدد دعاوى “تغيير الأسماء والنسب” يزداد بعد الإفراج عن تعليق بت الأحكام بمثل هذه الدعاوى لمدة 4 سنوات تقريباً خلال الحرب لأسبابٍ أمنيةٍ، وأصبح اليوم الحصول على حكم موافقة بتغيير النسبة ليس بالأمر الصعب، وخاصة أن إجراءات الدعوى روتينية تحتاج فقط إلى بعض الأوراق الثبوتية، والباقي في ملعب السلطة التقديرية لقاضي صلح المنطقة صاحب القرار.

يشير المحامي محمد ضاهر إلى أنه وفق المادة 46 من قانون الأحوال المدنية السوري يمكن رفع دعوى على أمين السجل المدني في منطقة صاحب الدعوى، بحجة أن النسبة المذكورة في السجلات تخالف النسبة الشائعة والمتعارف عليها في العائلة، كما يمكن أن تذكر الدعوى أن النسبة غير مقبولة اجتماعياً وتسبب إحراجاً لصاحبها، موضحاً أنه في الفترة الأخيرة يتم التساهل في إصدار أحكام هذه القضايا لجميع الحالات المنطقية عدا الأشخاص الذين حولهم إشكالات قضائية معينة، لكن يبقى الأمر مرتبط بتقدير القاضي، فهناك قضاة يرون أن العازب/ة بحاجة إلى موافقة الأب للحصول على حكم تغيير النسب، وقضاة آخرون يحكمون بالموافقة دون الرجوع إلى الأب ما دامت تسبب النسبة ضرراً معيناً لصاحبها/تها، ومن تعلميات المادة 46 أنه «في حال صدور حكم عن قاضي الصلح بتصحيح نسبة الأب فإن هذا التصحيح يشمل الأولاد القاصرين بصورة إلزامية أما الأولاد الراشدون فهم مخيرون».

يمكن القول؛ أن هناك من لجأ إلى القضاء في محاولةٍ لإنقاذ ما يمس كرامة اسم عائلته بلا سبب، لكنّ الكثيرين لا يعرفون طريق المحاكم في أمورٍ كهذه، بل يحملون أعباءها النفسية بلا وعي، ويراكمون في قلوبهم كراهية ستنفجر يوماً على أحد ما لا ذنب له سوى أنه في مجتمع غير متوازن.


تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع صوت وصورة وصدى الذي تنفذه مَوج 2021

“كثيرون يراكمون كراهية ستنفجر على

من لا ذنب له سوى أنه في مجتمع غير متوازن”

لمى علي