“سي السيد” ونساؤه.. الصورة التي رسختها الدراما العربية

كتابة :
ميار مهنا

إذا سألتَ/تِ أي شخص عما يميز التلفزيون عن غيره من وسائل الإعلام فإن الإجابة غالبا ما تكون بأنه دخل بيوت الناس عبر الصوت والصورة وعرفهم على أنماط حياةٍ مختلفة، كان من الصعب التعرف عليها لولا وجوده في حياتهم/ن.

 

التلفزيون السوري صَنَعَ صورة نمطية

 

دخل التلفزيون بيوت الناس دون أن يكلفهم عناء التنقل، ونشأ مع هذا الانتشار فن جديد ارتبط به هو الدراما التلفزيونية التي امتلكت قوة تأثير اعتبرت سلاحا ذو حدين إذ حرضت الكثير من الأفكار في المجتمع وكانت منبعاً لها لكنها ساهمت في صناعة بعض الصور النمطية وترسيخها.

وجد كتاب/ كاتبات الدراما العرب في مجتمعاتهم بيئة خصبة لصناعة دراما تحاكي الواقع، فنقلوا بيئاتهم/ن وذكرياتهم/ن بطريقة فنية إلى الشاشة الصغيرة، واتسمت بعض الأعمال بالشعبوية، لكنّ تكرار بعض الصور حولها فيما بعد إلى صور نمطية.

فشخصية “السي السيد” مثلاً غزت الدراما العربية وتركت أثراً في ذكريات المشاهدين/ات العرب الذين لازالوا/لازلن يستحضرون “الحاج متولي” الذي قدمه الممثل نور الشريف في مسلسل يحمل الاسم نفسه استقطب الكثير من المشاهدين/ات الذين/اللواتي كانوا/كنّ يتسمرون/ن أمام الشاشات ما إن تبدأ موسيقى التتر ليشاهدوا/ن مغامرات الحاج متولي مع زوجاته الأربع اللواتي كنّ ينصبن المكائد للإيقاع ببعضهن البعض والفوز باهتمام أكبر من الحاج متولي.

 ولم يكن “عائلة الحاج متولي” العمل الأول من نوعه الذي طرح نموذج الرجل المتسلّط والنساء الخاضعات لقوانين الرجل ورغباته، فقد قدّمت الدراما المصرية عدّة أعمال أظهرت نموذج المتسلط ذاته منها “بين القصرين”، “لن أعيش في جلباب أبي”، “الزوجة الرابعة” والمسلسل الكوميدي “عايزة اتجوز” الذي أظهر المرأة تتوسل للزواج وتحاول جاهدةً وبشتى السبل اصطياد عريس.

أما الدراما السورية فقد تأثرت بالدراما المصرية التي كانت السباقة عربياً، واقتبست أعمال البيئة الشامية عنها بعض القيم وخصوصاً المتعلقة بالمرأة، فبتنا نشاهد المرأة الضحيّة الضعيفة التي لا يشغل بالها سوى نيل رضا الزوج أو الحفاظ عليه وتلخص دورها الاجتماعي بمهام البيت والقصص التي تتشاركها مع نساء الحيّ والتي تدور بمجملها حول النميمة أو شؤون الرجل الذي لا يملّ من التهديد بيمين الطلاق، بالمقابل كان كل ما يشغل بال الرجال ويؤرق نومهم هو التفكير بأمور الحيّ وواجباته المادية.

وقد كرّست هذه الأعمال تبعية المرأة للرجل فلا تُؤخذ مشورتها حتى في قضايا مصيرية تخصها مثل الزواج أو الطلاق وقلّما عرضت هذه الأعمال امرأة تكمل تعليمها الجامعي أو تعمل خارج النطاق الجغرافي لمنزلها. وهذا ما جعل الكثير من الباحثين/ـات الاجتماعيين/ـات والمؤرخين/ـات يتهمون/ن أعمال البيئة الشامية وعلى رأسها “باب الحارة” بتشويه صورة المرأة. وحين قامت هذه الأعمال بإظهار نماذج إيجابية لنساء متعلمات كانت هذه النماذج لنسوة من البرجوازيات اللواتي تلقين تعليمهن في خارج البلاد.

تحررت الأعمال المعاصرة من تأطير المرأة في بيئة معينة وأظهرت صوراً أكثر تنوعا لها، لكنها في بعض الأحيان حولتها إلى مجرد امرأة جميلة ترنو لأن تصبح أكثر جمالا يكمن جوهر شخصيتها بعلاقتها بالجنس الآخر، وربطت وجودها بالرجل الذي جعلته الشخصية المحورية في أعمالها ومنحته دور البطولة في أعمال مثل “صبايا” و “بنات العيلة”.

وفي كلتا الحالتين منحت المرأة وضعاً متطرفاً بين الخير والشر فكانت الدراما تقدم أدواراً إما تشيطن المرأة أو تجعلها ملاكاً، فافتقدت هذه الأعمال إلى الشخصية النسائية الحقيقية، وكانت الشخصية الشريرة من نصيب الكنة، الحماة، الضرة بينما نسبت الشخصية الملائكية للأنثى المكسورة التي تحتاج حماية الرجل ورعايته.

 

صورة نسائية إيجابية

 

لكن ووسط هذا الكم الكبير من الإنتاج الدرامي برزت أعمال اجتماعية سورية تحاكي تنوع المجتمع السوري وتستند إلى إرث درامي عتيق، فأعادت هذه الأعمال للمرأة رونقها وحضورها الحقيقي في المجتمع وسلطت الضوء على قضاياها وأحلامها فكان للمرأة دورها الإيجابي الحقيقي فقد صوّر مسلسل “صحّ النوم” الذي يعد من كلاسيكيات الدراما السورية صورة نسائية إيجابية تتمثل في شخصية فطوم حيص بيص مديرة فندق صحّ النوم.

وكما سلطت أعمال مثل “رجال تحت الطربوش” و “عصي الدمع” الضوء على قضايا تخص النساء وطالبت بشكل غير مباشر برفع سن الحضانة وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وكثيراً ما طالبت أعمال سورية مثل “فسحة سماوية” بوضع حد لجرائم الشرف وتصوير معاناة النساء السوريات والعربيات.

هذه الأعمال استطاعت تقديم رسائل اجتماعية مدروسة بذكاء صناعها/صانعاتها الذين/اللواتي أدركوا/ن تأثير الدراما وقدرتها على تدعيم معايير مختلفة في المجتمع ولم تكن سندا للنساء فحسب بل أنقذت الرجل من الدور الذي نسب إليه فلم يعد لـ”سي السيد” و “الحريمة” وجودا يذكر فيها.


تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع صوت وصورة وصدى الذي تنفذه مَوج 2021

الدراما التلفزيونية امتلكت قوة

تأثير اعتبرت سلاحاً ذو حدين

 

ميار مهنا