تكنولوجيا التعافي والتمكين ..حاجة وليست ترفاً

كتابة :
علي عبد اللطيف

دخلت التكنولوجيا حياتنا، وصارت جزءاً متأصلاً فيها، لا يمرعلينا وقت دون استخدامها في الاتصالات والتنقلات والكثير من تفاصيل يومنا الأخرى. تتمثل إحدى أهداف التكنولوجيا في تمكين الأشخاص وجعل ما هو غير متاح متاحاً، وعند الحديث عن استخدام التكنولوجيا في مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، هناك العديد من الابتكارات التي أُحرزت تقدما كبيراً في ضمان قدرة أي فرد من المجتمع على استخدام التكنولوجيا، كالهواتف المحمولة المطورة ولوحات مفاتيح الحواسب المخصصة لفئة معينة من ذوي الإعاقة.

 

تكنولوجيا التكيف “هبة الهندسة الحديثة

 

بات مصطلح تكنولوجيا التكيف مصطلحاً شائعاً يقصد به التقنيات التي تساعد الأشخاص ذوي الإعاقة على أداء المهام الصعبة وحتى المستحيلة أحياناً، ويتم العمل على جعل هذه التقنيات يسيرة التكلفة، فعالة، تلبي احتياجات كل من يستخدمها.

تشمل هذه التقنيات “الكراسي المتحركة” التي تعمل بالكهرباء والدراجات البخارية والمشايات التي تساعد ذوي الإعاقة على الاعتماد على أنفسهم/ن  في الانتقال والحركة دون الحاجة لمساعدة أي شخص آخر، أما من فقدوا/ن أطرافًا فيُزودون بأطراف صناعية تصبح جزءاً منهم، ويُزود الأشخاص ذوي/ات الإعاقة السمعية بمعينات سمعية تساعدهم/ن على السمع من جديد و تحسينه بطريقة أو بأخرى .وقد وفرت التكنولوجيا أيضاً مساعدات معرفية تعتمد التحفيز الكهربائي لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية على تركيز الانتباه، وإنعاش الذاكرة، وحتى القدرة على التفكير بشكل أفضل.

 

 إن استخدام تقنيات إعادة التأهيل يهدف إلى تعزيز شعور ذوي الإعاقة بأنهم/ن جزء فاعل في المجتمع، يعيشون/ن تفاصيل الحياة الطبيعية بكل ما فيها من أعمال ومهارات، فمن لديه موهبة في الطهي لن تمنعه إعاقته من القيام بذلك، فأدوات التكيف موجودة لتيسير الأمر.

يقول أحمد:-25 عاماً- “لقد غير الكرسي الكهربائي المتحرك  حياتي كلياً، فلم أعد أتكبد  العناء الذي كنت أتكبده في الحركة على الكرسي العادي، ولم أعد بحاجة لمساعدة من أحد، حياتي أصبحت أسهل مما قبل”.

 أما راما الصبية العشرينية فتقول : “ساعدتني السماعات التي حصلت عليها عن طريق إحدى المنظمات الإنسانية على تجاوز إعاقتي السمعية واستكمال تعليمي بشكل أفضل”.

 

 التكنولوجيا ضرورة والفائدة عامة

 

على أهمية الدور الذي لعبته التكنولوجيا في تسهيل حياة البشرية، وبرغم انتشارها في أنحاء العالم، هل يمكن القول أنها بمتناول الجميع؟

وفقاً لتقرير للأمم المتحدة لهذا العام (2022) “يُحرم ما يقرب من مليار شخص من كبار السن و ذوي/ات الإعاقة من الوصول إلى التكنولوجيا المساعدة”

وأشار التقرير إلى أن القدرة على تحمل التكاليف هي عقبة رئيسية أمام الوصول إليها (كما هو الحال في سوريا). ومن بين الحواجز الرئيسية التي كُشف عنها في مسوحات منظمة الصحة العالمية بالإضافة إلى الأسعار الباهظة، نقص الوعي والخدمات، وعدم كفاية جودة المنتج، وتحديات سلسلة التوريد والشراء. ولذلك وجهت الدعوة إلى الصناعيين والحكومات لتمويل وصول هذه التكنولوجيا لكل من يحتاج لها وتحديد أولويات ذلك.

 

تعتبر منتجات تكنولوجيا المساعدة وسيلة لدعم المشاركة في الحياة مع الآخرين، ومواجهة خطر العزلة والإقصاء، ومحاربة الفقر والعوز، وعدم الاعتماد على دعم الأسرة والمجتمع والحكومة. إن تمكين ذوي الإعاقة من الوصول إلى المنتجات المساعدة المضمونة الجودة والآمنة ومنخفضة التكلفة سيقلل من الأعباء المادية للرفاهية والرعاية الصحية، ويعزز قوة اليد العاملة ويجعلها أكثر إنتاجية، كما يحفز النمو الاقتصادي بشكل غير مباشر، لتعود الفائدة على مستخدميها وكل الأسر والمجتمعات.

 

ابتكارات لردم الهوة

 

يمكننا استخدام مصطلح التكنولوجيا التأهيلية لوصف التكنولوجيا التي تساهم في استعادة أو تحسين العديد من الوظائف لدى ذوي الإعاقة كالأشخاص الذين أصيبوا بإعاقة بسبب المرض أو الشيخوخة أو الحوادث، وتساعد هذه التكنولوجيا الأفراد على رعاية أنفسهم وعلى العمل والتعلم في البيئات المدرسية النموذجية والمؤسسات التعليمية الأخرى، وتسهل الوصول إلى المعلومات من خلال أجهزة الكومبيوتر والقراءة والاستماع إلى الموسيقا وكذلك الرياضة والسفر والمشاركة الكاملة في الحياة المجتمعية.

 وتفيد الأجهزة المساعدة المرتبطة بالتكنولوجيا التأهيلية معظم الإعاقات: الإعاقة المعرفية مثل الاضطرابات الذهنية واضطرابات القراءة، والإعاقة السمعية والبصرية _فقدان أم ضعف _والإعاقة الجسدية مثل الشلل أو صعوبات المشي أو فقدان الأطراف، والحالات النفسية مثل اضطراب القلق واضطرابات الأكل والذهان.

 

وفي ظل عدم توافر التقنيات التي تقدم التسهيلات لذوي الإعاقة في سوريا، نتيجة الأزمة الاقتصادية أو العقوبات أو غيرها، يحاول بعض الشباب عبر مشاريعهم الإسهام في توفيرها داخل البلاد، فالشابة نور-25 عاماً- خريجة هندسة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات صممت مشروعاً يتضمن موقع يقدم خدمة البريد الصوتي لذوي الإعاقة البصرية بأوامر صوتية، يستطيعون من خلاله إرسال رسائلهم وسماع جميع رسائلهم الواردة دون الحاجة للكتابة. استلهمت نور الفكرة من إحدى المؤتمرات التي التقت فيه مع إحدى فتيات ذوي الإعاقة وكانت الصعوبة في التواصل معها مما ولّد الفكرة لديها، وارتأت ضرورة اندماج ذوي الإعاقة في المجتمع ومساعدتهم في التواصل مع الآخرين.

ومن هنا نقول :لم تعد التكنولوجيا رفاهية، بل هي حق ومطلب لجميع الناس على اختلافهم، وخاصة من هم بحاجة لها للاندماج في المجتمع والعيش حياة كريمة لائقة.

“لم تعد التكنولوجيا رفاهية،بل هي حق

ومطلب لجميع الناس على اختلافهم”

 

علي عبد اللطيف