“الأوله شرط آخره سلامة”هل ينطبق هذا المثل على الولادات القيصرية؟

كتابة :
محمد الواوي

منذ شهر الحمل الأول، تقرر السيدات موعد وتاريخ الولادة، لم تعد تشهد العيادات النسائية كلمة

” ولادة طبيعية” إلا فيما ندر، بل بات الحديث عن نوع التخدير عام أم قطني هو الحديث الأول حتى قبل اكتمال الجنين، هل باتت الولادة القيصرية عادة أو عرف اجتماعي؟ أم أنه كما تقول الجدات” جيل لا يتحمل الألم الجميل للولادة الطبيعية”؟ أم هناك عوامل أخرى ساهمت بزيادة معدلات الولادة القيصرية؟ وهل تدرك النساء خطر الولادات القيصرية؟

تشير الإحصائيات أن معدلات الولادات القيصرية في المشافي العامة ومشافي الهيئات المستقلة والخاصة التابعة لوزارة الصحة على إنها مستويات قياسية؛ حيث وصلت إلى 63% في عام 2019 أي قرابة أربعة أضعاف المعدل المثالي العالمي الذي حددته منظمة الصحة العالمية، وحددت المنظمة في عام 1985 معدلاً لعدد العمليات القيصرية بين الأمم يتراوح بين 10-15% من مجموع الولادات، لكن الزيادة في المشافي الخاصة كانت أعلى من المشافي العامة.

 

قصص ” قيصرية”

 

أنجبت رهام، طفلها الأول قيصرياً في مستشفى خاص بدمشق في عام 2019، رغم أن وضعها الصحي أثناء الحمل كان طبيعياً وكان بإمكانها الخضوع لولادة طبيعية ولا يوجد مسوغ طبي للقيصرية، لكنها اتفقت مع الطبيب مسبقاً على إجراءها، كما لم يشرح لها الطبيب عن نوع الولادة سواء كانت طبيعية أم قيصرية، وما الفرق بينهما وما سلبيات وإيجابيات كل واحدة منهما.

لا تختلف القصة السابقة عن قصة “ميس 30 عاماً”، التي أنجبت طفلتها الأولى ولادة قيصرية دون دواعٍ طبية، والطبيب لم يخيرها حتى بالولادة الطبيعية، الصبية الثلاثينية تعرضت لحالة صحية ناجمة عن خلل في العملية الجراحية، استدعت إعادة فتح الجرح!

وتشير السيدتان أن خيار الولادة الطبيعية لم يعد شائع حتى بأحاديث المتزوجات حديثاً، وتؤكدان أنهما من جيل لم يشهد ولادت طبيعية، ولا يعرف أصلاً كيف تجري الولادة الطبيعية كاملةً وهل لها مخاطر.

وتعقب “رهام” أن الولادة الطبيعية تذكّر بعذابات النّساء في المسلسلات الشامية.

 

مبررات قيصرية!

 

يرجع الطبيب إياس عثمان – اختصاصي بالأمراض النسائية والتوليد- في لقاء مع (مَوج)، تعود زيادة نسب الولادات القيصرية في السنوات الماضية إلى عدة عوامل منها :  إلى العامل الأمني إذ كان الخروج من المنزل خطراً بالنسبة للحامل وللطبيب معاً، لذلك كانت القيصرية مفضلة للطرفين، إضافة إلى تحولها لثقافة اجتماعية، ويجب على الطبيب أن يحترم رغبة المريضة ولا يمكنه إجبارها على الولادة الطبيعية، فيما تذكر  الطبيبة سحر الجغامي – اختصاصية بالأمراض النسائية والتوليد- أن بعض الأطباء لا ينتظرون ساعات طويلة في الممارسة الخاصة لإجراء الولادة الطبيعية، منوهةً أن هناك عوامل أخرى مثل: الوقت في الدرجة الأولى؛ وتتفق مع الطبيب إياس عثمان حول العامل الأمني أثناء الحرب، حيث تقول “تعرضت شخصياً لخطر أثناء خروجي في إحدى المرات”. وتفسر الجغامي الزيادة أيضاً لوجود سوابق قيصرية لدى عدد كبير من الأمهات، خاصة مع وجود استطبابات في الولادة الثانية.

يقول عثمان “لا تجرى القيصرية في المشافي العامة، إلا بناء على استطباب واضح مع وجود استثناءات، كما أن الولادة الطبيعية في المشافي الحكومية أسهل لوجود طواقم طبية مناوبة على مدار الساعة تسهر مع الحامل أثناء الولادة”.

ويجمع الطبيب والطبيبة على استطبابات للقيصرية موجودة في برتوكولات طبية تعمم على الأطباء، منها : ضيق الحوض عند السيدة، مشاكل قلبية، الجنين المقعدي، المشيمة المركزية، تألم الجنين

تشير التقارير التابعة لمنظمة الصحة العالمية التي نشرت عام 2021، أن الولادات القيصرية تمثل أكثر  21% من جميع الولادات في العالم، ومن المتوقع أن تصل إلى 29% بحلول عام 2030، وحذرت المنظمة أن المعدلات المرتفعة للعمليات القيصرية تزيد من احتمال الحاجة إلى نقل الدم، وحدوث مضاعفات من جراء التخدير، ومرض الانصمامية الخثارية، وضيق التنفس لدى حديثي الولادة، كذلك ارتبطت القيصرية بحدوث مضاعفات من قبيل تمزق الرحم والحمل خارجه وحتى استئصاله، والتصاق المشيمة، والعقم، أو الالتصاقات داخل البطن في الحمل التالي، وتؤكد الدكتورة الجغافي هذه الأعراض الناجمة عن تعدد القيصريات وتضيف إليها، زيادة تكلفة الرعاية الطبيبة على العائلة والمجتمع.

 

قانون ولكن!

 

قررت علياء منذ بداية الحمل أن تلد طبيعياً، لكن يبدو أن للطبيبة رغبة أخرى. تروي علياء تفاصيل ما حدث في يوم الولادة بمستشفى خاص بدمشق “أخبرت الممرضة أنني سأدخل إلى غرفة خاصة بطبيبتي المشرفة، فردت فوراً بجملة (عمليات إذاً)، فقلت لها أنا سأخضع لولادة طبيعية وليس قيصرية، وبعد الانتهاء من عمليتي اكتشفت أن الطبيبة ذهبت لإجراء قيصرية أخرى بشكل متتال”. لم تنوه طبيبة علياء إلى احتمال إجراء القيصرية أثناء فترة الحمل؛ بل كانت تخبرها بأنها ستنتظرها في فترة المخاض حتى تنجب طبيعياً. تضيف علياء “أصابني خراج فوق موضع جرح القيصرية، راجعت طبيبتي التي نظفته بعد أن أخرجت القيح من داخله”.

وحول هذه النقطة يوضح المحامي صلاح الدين العيسى(ريف دمشق)  الوجه القانوني لهذه الحالة التي تصنف على أنها جشع بعض الأطباء/الطبيبات وسعيهم/سعيهن لزيادة الدخل، ويقول المحامي لـ(مَوج) “إثبات أن المريضة خضعت لولادة قيصرية من دون موافقتها أو معرفتها أمر صعب، حيث سيعود القضاة/القاضيات إلى بند الإهمال الطبي، وهنا يصبح إثبات أمر الجشع صعباً للغاية لأن الطبيبة تستطيع أن تدعي بنفسها أو عن طريق محام أو وكيلها القانوني في المحكمة أنها لم تهمل عملها، وأجرت عملية جراحية ناجحة بعد تقديرها أن الولادة تستوجب ذلك، فتصبح المدعية (المريضة) مدانة في هذه الحالة.

يوضح العيسى أن القانون السوري لا يتطرق في أي مادة لنوع الولادة أو إلى محددات الولادة القيصرية، إذ أنها لا تندرج ضمن الخطأ الطبي، لكن إذا أجريت الولادة القيصرية وحدثت فيها أخطاء فإنه يندرج تحت بند الإهمال طبقاً للمادة 550 من قانون العقوبات، مثل جشع بعض الأطباء، أو إهمال التعقيم، وعدم الالتزام بالقوانين الصحية، وكلها أخطاء طبية في حال تجاوزت المألوف.

وتنص المادة 550 على: (من سبب موت أحد عن اهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات). وبحسب العيسى تكون العقوبة جنحية، تنظر فيها محاكم بداية الجزاء.

كم سيدة اليوم تثق بالولادة الطبيعية؟ وكم طبيب وطبيبة يشرح مخاطر كلا النوعين للسيدات الحوامل؟ هل ستحرك الإحصائيات الأممية القليل من الالتزامات القانونية والمهنية؟ الإجابات تبقى مفتوحة ويحكمها الزمن.

“أن القانون السوري لا يتطرق في أي مادة

لنوع الولادة أو إلى محددات الولادة القيصرية “

صلاح الدين العيسى