الطلاق وجه آخر للحياة …

كتابة :
ريم الشيخ

مطلقة تصارع المجتمع

 

الزواج محطات من السعادة والضحك, الفرح والحزن, حتى الدموع والأنين, وقد تنتهي إلى وجهات الألم والخيبة إذا حصل “الطلاق”.

استوقفني حوار سمعته بينما كنت جالسة مع صديقاتي، كانت إحداهن مطلقة وأخذت تحدثني عن مواقف تتعرض لها، تعاني منها يومياً وتنهشها كالسم القاتل، فقط لأنها “مطلقة”.

 حدثتني مثلاً أنها في زيارة للطبيب برفقة أختها أعجب بها وعرض عليها الزواج، فما كان منها إلا السكوت والامتناع عن إبداء أي ردة فعل، لأنها خجلت من إخباره أنها مطلقة…

أثناء حديثها كانت الأفكار تدور في ذهني، “مطلقة”… نعم إنها مطلقة، لم هذا الخجل؟

 وما المعيب في ذلك؟ شعرت أن ردة فعلها هي حصيلة الاتهامات من الناس والمجتمع الذي لا يرحم.

أخبرتني أنها قد عزمت على البدء بعمل جديد كي تعود للحياة، لكنَّ أخاها منعها بشدة متمسكاً بأعذار قبيحة, “أتريدين جلب العار لنا؟”، “هل تريدين أن يعلم الناس أن في بيتنا مطلقة؟”، “الله أعلم ما نواياك خلف خروجك للعمل!”، “أنت موضع شك للجميع، ولا ينقصنا فضائح”.

تسبب كل هذا بانطفائها ودخولها في حالة صراع دائم مع الأهل والناس والمجتمع المتهجم.


 احتشدت في ذهني زحمة من التساؤلات…

 من سمح لهم بأن يغلقوا أبواب الحياة لديها؟

 من سمح لهم أن يطفئوا قمرها ويطعنوا قلبها؟ 

من قال إن المطلقة بلا روح، بلا إحساس، بلا قيمة؟ 

من قال إنها عبء يجب التخلص منه؟

هل كانت هذه صورة الحياة التي تنتظرها وتتمناها؟

لتقاطع شرودي وتساؤلاتي بحديث صادم عما حصل لها قبل فترة، حيث تقدم رجل مسن لخطبتها، وكان يكبرها بأكثر من عشرين عاماً، لم تستطع أن تتقبل الفكرة فرفضته مما أودى بها إلى مشاكلَ وصراعات مع أهلها، و أكثر ما أثار صدمتي كان هجوم والدتها عليها بجملة جارحة “أنت مطلقة فمن تظنين أنه سيتقدم لخطبتك؟”.

تابعت حديثها بأنفاس مهزومة، وكان واضحاً أن السهر قد أتعبها ونال من ضحكتها وقلبها، أخبرتني بسرّ عنها: أن هناك شاب قد أحبها وأحبته وشعرت عند دخوله لحياتها بأنه العوض والراحة التي طالما ارتقبتها، إلا أن فرحتها لم تكتمل، لأن الشاب عندما أخبر والديه عن رغبته بالزواج منها هوجم بالكثير من الكلام المؤذي، “لو فيها خير ما كانت اتطلقت!”.

من أعطى الحق لهؤلاء في إقصاء شخصيتها ورأيها وحقوقها؟، في الحكم على قصة حياتها ومصيرها مع حدوث الطلاق؟ 

كيف أقر الجميع أنها مذنبة؟ وأن الزواج هو الإطار الوحيد الذي تستحق فيه المرأة الاحترام؟ ومن قرر أن انتهاء الزواج يحول المرأة إلى منقوصة ومعيبة؟ بل وصمة عار يخجل أهلها بها؟

تألمت لسماع قصتها المريرة عن الظلم الواقع عليها، ولم أجد ما أقوله لها، لكنني أجبتها وأنا أخشى أن أشعرها بيأسي وخيبتي: “للأسف يا صديقتي، هذا المجتمع يمكن أن يتسامح مع الانحلال الأخلاقي ومن غير الممكن أن يتقبل فكرة أن المرأة المطلقة قد تكون امرأة مظلومة!”. المطلقة هي أم وزوجة شاء القدر لها أن تنتهي إلى طريق مسدود يفكك أسرتها ويرميها في أحضان القهر والوجع، ويضعها فريسة تنهشها نظرات الناس والمجتمع.

لا شك يا صديقتي إنها لمرحلة صعبة حافلة بالألم والعقبات، تحمل في طياتها آهات تغتال الفرح وتطفئه، دموع ثقيلة تجرح وتخنق الروح التي كانت مسرحاً للمرح والحياة.

هذا الطلاق نال من قلبها، ثرثرة كثيرة حول كونها السبب في حدوثه، حول فشلها في الحفاظ على الزواج لأن العلة فيها، كثير من الدراما وكثير من التجني.

للأسف فالكثيرات يعتقدن أن الحياة قد انتهت واسودت بمجرد وقوع الطلاق

 لكن لو فكرن قليلاً لرأين العكس، ربما كان وجهاً آخر للحياة، وإنقاذاً من حياة مرة، فالطلاق ليس حكماً بالإعدام.

صمّمت على إنقاذها لتعود إلى حب نفسها، ولتخرج من النفق المظلم الذي وضعوها فيه، قلت لها كثيراً : أتقني فن النسيان، افقدي ذاكرة ماضيك، كوني قوية بنفسك واعتزي بها، انطلقي إلى الحياة، لا تختبئي، واجهي، والأهم ألا تقفي على أطلال الذكريات.

لا تسمحي لسهام الناس الحاقدة أن تصيب قلبك وحياتك، ولا تحاولي تبرير قرارك بالطلاق، لا تسقطي في مستنقع إدانة الذات، كوَني علاقات جديدة، واجعلي من روحك طيراً مليئاً بالتفاؤل، أبحري في سفينة حياتك بأشرعة من الإيمان وحسن الظن بالله إلى محطة السعادة والحياة، فالسعادة تنبع من داخلك.

كوني قوية بنفسك واعتزي بها

افقدي ذاكرة ماضيك

ريم الشيخ