عمل بسيط كان سبباً لحياة كريمة عاشتها أم يوسف

كتابة :
أميرة مالك

“مرا عم تبيع قهوة وشاي! ما لقيتي شغل تاني؟! كنت أسمع من هالحكي كتير بس ما بيهمني، الحكي الي بيعجبني بسمعو والي ما بيعجبني قادرة رد عليه”.

 

في كل صباح

 

أم يوسف سيدة خمسينية تبيع القهوة والشاي والزهورات في سيارتها الصغيرة في ساحة باب توما وسط العاصمة السورية دمشق. تبدأ نهارها بفتح سيارتها “الفوكس فاغن” وإعداد الماء المغلي وتحضير الكؤوس، لتلبية طلبات زبائن اعتادوا وجودها حتى أصبح فنجان قهوتها طقسهم اليومي الذي لا غنى عنه.


لأكون سيدة نفسي

 

اختارت أم يوسف مهنتها لسبيين، فهي لا تستطيع الالتزام بساعات عمل محددة كي تهتم بعائلتها ومنزلها، كما أنها تفضّل أن تكون سيدة نفسها وألا يفرض أحد، أياً كان، شروط العمل عليها. “لا أحب أن أرتبط بشيء”، تشرح السيدة وتضيف: “أحب أن يكون لي عملي الخاص مهما كان بسيطاً وأن أكون سيدة نفسي، وذلك يعني أن أكون أنا قادرة على اختيار مكان ومواعيد عملي”.

صورة ابنها الوحيد يوسف الذي استشهد نتيجة قذيفة هاون استهدفت المنطقة منذ قرابة عامين لا تفارقها. “كان يرافقني دائماً إذ أنني لا أستطيع تركه لمفرده في المنزل بسبب وضعه الصحي وإصابته بإعاقة دائمة، وبعد استشهاده باتت صورته رفيقتي في كل لحظة، أحتفظ بها في قلبي وفي محفظتي”، تقول أم يوسف بابتسامة لا تفارق وجهها المتعب والمغضّن بالتجاعيد.


الشغل مو عيب

 

تعمل السيدة في مهنتها هذه منذ حوالي ثمان سنوات. اعتاد سكان المكان والمارّة منه وجودها، وأصبح لديها الكثير من الأصدقاء الذين يؤنسون وحدتها بعد وفاة زوجها وابنها. “الأحباب كثر من حولي. حين أغيب لا يشربون القهوة والشاي من أي مكان آخر بل ينتظرون عودتي”.

تعتبر أم يوسف عمل المرأة أمراً غاية في الأهمية، حيث يجنبها الاعتماد أو الحاجة لأي شخص حتى إن كان أباها أو أخاها. “لا أقبل أن يعيلني أحد”، تقول مضيفة بإصرار “هذه الأيام صعبة. إن لم يعمل الإنسان لن يحصل على قوت يومه. الشغل مو عيب، العيب هو الشخص اللي بيمد إيدو للناس”.

لا ترى أم يوسف أن هناك أعمالاً مخصصة للرجال وأخرى للنساء، بل على العكس تماماً، “فالمرأة قادرة على اختيار العمل الذي تريده وتحبه، وعليها ألا تكترث لكلام الناس. المهم أن تحصل على حياة كريمة”.

تطوي السيدة صورة ولدها وتعيدها لمحفظتها، وتذهب لإعداد طلب أحد الزبائن وهي تقول بحرقة: “كنت بتمنى يضلو طيب وما بدي من هالدنيا شي. كان كل شغلي وكل همي هو”.

“أحب أن يكون لي عملي الخاص مهما كان بسيطاً وأن أكون سيدة نفسي”

أم يوسف