أحلامٌ صغيرة .. معاركٌ كبيرة

كتابة :
نوار المير علي

وقفت أمينة أمام قاضي المحكمة الشرعية في حماه، كموكلة عن نفسها في جلسة استماع مع طليقها بعد مرور شهرين على تقدمها بدعوى التفريق، متمسكةً بقرارها بالانفصال رغم تدخل المقربين/ـات لثنيها عن هذا القرار.

لم تتصور المحامية الشابة أن تكون دعواها الأولى التي تتوكل بها، هي دعوى لتفريقها عن زوجها التي حاربت العائلة والمحيط من أجله.

حلمها بالمحاماة كان حلماً يرافقها منذ الطفولة، تتذكر جيداً كيف كانت تجمع الصبية والفتيات في الحارة لتمثّل لهم/ن كيف ستترافع أمام هيئة المحكمة لتدافع عن الفقراء والمظلومين، وعلى مدار سنوات دراستها وسنوات تدريبها كانت تتحضر في خيالها للدعوى الأولى التي ستكون فيها مدافعة عن الحق العام، لكن لم يخطر ببالها أنها ستقف أمام العدالة للدفاع عن حقها هيَ في الحياة.

 

تحول الحلم ل كابوس

 

“أحببته بكل ما أوتيت من عاطفة وقوة، حاربت العائلة من أجله، لنعيش حلمنا ببيت صغير دافئ، لكنّ هذا الحلم تحول لكابوس مرير حين تحول الشريك الحبيب إلى جلاد”.

“هل أنت مصرة على الخلع أستاذة أمينة” قالها القاضي بحزم، راودها القسم الذي أدّته أمام لجنة المحامين بأن تردّ المظالم لأهلها، تذكّرت بكاء طفلتها الصغيرة في كلّ مرة كانت تتعرض فيها للضرب المبرح من زوجها، فكان جوابها “بكلّ تأكيد سيادة القاضي”.

كان الزوج غيوراً من نجاحات زوجته، لم يعجبه جهدها المتواصل لإثبات نفسها كأستاذة بين أروقة القصر العدلي في فترة التدريب، تعنّت بتقصيرها لأداء مهام المنزل وكأنّ هذه المهام هي من نصيبها وحدها، أنهت فترة التدريب على مضض، وحين حملت بطفلتها “نور” ازداد الضغط عليها، وكان الاستسلام مصيرها، فقد أنهكتها المعارك المستمرة منذ طفولتها.

حين كانت طفلة خاضت أولى معاركها لإكمال تعليمها، فحسب اعتقاد العائلة “مكانُ النساء هو البيت فقط ومهماتهنّ تقتصر على الزواج والإنجاب” لكنّها تحدّت كلّ هذه الاعتقادات وأكملت تعليمها بدعم من مدرساتها اللواتي أثبتت لهنّ تفوقها واجتهادها. وبالفعل حققت حلمها بالدخول إلى كلية الحقوق وبدا الحلم أقربَ للحقيقة.

حين التقت زوجها جمعهما الحب من النظرة الأولى، واتفقا على تكليل هذا الحب بالزواج وكانت وعوده لها بدعمها لتحقيق أحلامها، لكنّ هذه الوعود تبددت بعد الزواج، وبدأت فصول جديدة من فصولات العذاب مع زوج بعقلية أبوية متسلطة.

 

لم يتحمل مسؤولياته كزوج وشريك

 

كان كلّ شيء ممنوع عليها ومسموح له، فهو الرجل و”يحق للرجل أن يفعل ما يريد”، كانت مهمتها رعاية المنزل والطفلة والأعباء المنزلية كلها وكان السهر والثمالة مهمته الوحيدة.

غالباً ما كان يعود ليلاً والثمالة تغيب عقله فينهال عليها ضرباً وشتائم، كانت تحاول الدفاع عن نفسها وحماية ابنتها من بطشه ومن رؤية الإهانات اليومية التي تنرسم على وجهها ويديها كدمات زرقاء، وإن كانت قادرةً على إخفاء آثار الكدمات بالماكياج إلا أنها لم تكن قادرة على إخفاء آثار هذه الكدمات من قلبها.

لم تستطع اللجوء إلى أهلها، فقد قاطعوها لأعوام طوالٍ بعد زواجها، وحين عادت العلاقات بينهم كانت الجملة الوحيدة التي يرددونها على مسمعها إن فكرت بالشكوى “إنتي اخترتيه بإيدك، مو هاد الي حاربتي الدنيا مشانه”!

في إحدى الليالي عاد إلى المنزل مخموراً كالعادة، انهال ضرباً على الصغيرة “نور” لأنها أزعجته بصوت بكاءها، ورغم كل محاولات أمينة للدفاع عنها، كان من الممكن أن تموت الطفلة بين يديه لكن عناية الآلهة كانت بجانبها، بعد هذه الحادثة، قررت أمينة أن تضع حداً لكلّ العذاب، جمعت أغراضها وأغراض الطفلة والتجأت إلى منزل إحدى الصديقات، تركت البيت إلى غير رجعة.

بقرار القاضي الذي حكم بالتفريق وبمنحها الحقّ في حضانة طفلتها، تطوي أمينة فصلاً طويلاً من فصول معاناتها، تتنفس الصعداء وتبدأ الحلم بشكل الحياة الجديدة.

“يمكن أنا كسبت معركتي الأخيرة، بس ما فيي اتخيل شو مصير المئات من النساء الي قصصن متل قصتي وما عندن مكان يلجؤوا له، وما قدروا لهلأ يحصلو على الحرية الي أنا حصلت عليها”.

لقد كسبت معركتي

الأخيرة

أمينة